أن تطلع عليك شمس يوم السبت دون أن تقرأ سناء البيسى فهذا معناه أن يومك ناقص وأن أسبوعك صار ستة أيام. كما أفتقد نسمة العصارى فى هجير صحراء أغسطس أفتقد قديسة الحكى المصرى وعازفة الكتابة باللون والرسم بالكلمات. عندما تقع عيناك على مقال سناء فى زحمة وركام وسخام ما نقرأه الآن كأنك شاهدت متحف اللوفر وسط عشوائيات سكان المقابر، كيف يتم حرماننا من كتابة بمذاق المانجو العويسى لنتجرع عصير الجعضيض وكوكتيل الجميز والصبار؟ مهما كانت الخلافات المهنية فلا يمكن أن تكون نتيجتها غياب شمس سناء عن حديقة الأهرام، مهما كان رأى المسئول الذى تعامل معها بجفاء وغلظة فى أن نوعية تعامله طبيعية ونمط تصرفه عادى، فإنه لا يصح مع قامة وقيمة مثل سناء البيسى ألا أتنازل وألحّ عليها وأطاردها بل وأتظاهر لعودتها مهما كانت درجة مسئوليتى ووظيفتى وموقعى فى الجريدة!! لم نعد نملك إلا فتات قوتنا الناعمة من مثقفين ومفكرين وفنانين ومبدعين، أرجوكم حافظوا عليهم، لا تجبروهم على دخول شرنقة الإحباط وكهف الاكتئاب، سناء البيسى تاريخ صحفى وإبداعى وفنى ومهنى لا يمكن لأى قارئ عادى ولا أقول «مثقف كبير» إغفاله، ولا يمكن لرهافة الإحساس أن تعامل بجليطة التقريع، ولا يمكن لعصفور الإبداع أن يُسجن فى قفص الروتين والشطب والاختزال. من يريد أن يضغط على زر لتحويل سناء البيسى إلى مجرد موظف أرشيف فهو كمن يريد تحويل الإلياذة إلى ألفية ابن مالك، أو سيمفونية موتسارت إلى إييييه شعبان عبدالرحيم!!، إخلاص سناء البيسى المتبتل للأهرام والذى جعلها، وأنا شاهد على ذلك، ترفض أموالاً مغرية يسيل لها اللعاب فى صحف خاصة أخرى، هذا الإخلاص الذى ما زالت سناء مصرة عليه حتى ولو لم تكتب ثانية كان لا بد أن يقابل بأفضل من هذا التجاهل والطمس والإهمال والجلافة، سناء البيسى فنانة قبل أن تكون صحفية، لوّنت بريشتها أحلامها التى بلا سقف قبل أن تخط حروف مقالاتها التى بلا شبيه. ظلت أحلام سناء تعدو كجواد عربى منتشٍ جسور بلا لجام حتى وصل إلى تخوم قوس قزح الملون وأنجب أجمل وأروع وأبدع بنات المجلات الصحفية فى تاريخ مؤسسة الأهرام وربما فى تاريخ الصحافة. نصف الدنيا لم تكن مجلة نسائية فحسب، بل كانت نافذة ثقافية وكنزاً إبداعياً ومنجماً فنياً، كان ملحق نصف الدنيا مرجعاً فى الفن والموسيقى والسينما وجميع أنواع الفنون الرفيعة، ظلت نصف الدنيا مثار الغيرة ومكمن الحسد فى الشكل والمضمون. من يستقبل مقال سناء البيسى قبل النشر كان لا بد أن يغمض عينيه قليلاً ويتذكر ويرجع بعجلة الزمن ويصعد سلالم خياله، إن كان ما زال يملك خيالاً، حيث الدور السادس للأهرام ليجد سناء البيسى تشرب قهوة الصباح مع إحسان وتتبادل النكت مع يوسف إدريس ثم تشخبط على أوراق توفيق الحكيم لترسمه بورتريهاً لتنتقل إلى غرفة زكى نجيب محمود لتتناقش معه فى فلسفته الوضعية ليدخل عليهما لويس عوض ويحكى عن آخر رحلاته إلى أوروبا فيطالبه السندباد حسين فوزى بالصمت قليلاً حتى يضع الإبرة على أسطوانة باخ لتعود إلى بيتها فتجد العبقرى الفنان كنعان حائراً كيف يقتنص اللحظة بريشته المشتعلة ويحولها خطاً أو لوناً أو ظلاً!!، هذا هو الأوكسجين الذى تنفسته يا من لا تعرف قدر سناء البيسى، هذا هو الفرن الذى صهر وعجن موهبتها الفياضة البركانية المتدفقة يا من تجهل من هى قديسة الكتابة والتى مازالت حتى هذه اللحظة تقبض على جمر المهنية والموهبة فى زمن سماسرة الأقلام وبوتيكات الحبر المسكوب على الورق الذابل.