المؤتمرات الطبية والعلمية فى مصر وخارجها فرصة ذهبية لمزيد من العلم والمعرفة والتحصيل، ولكنها فرصة أيضاً للمقارنة، والإجابة عن أسئلة كثيرة، على رأسها لماذا تخلفنا ولماذا تقدموا؟!، بالطبع هناك أسباب كثيرة ومتعددة، ولكنى لاحظت ملاحظة تبدو شكلية وهامشية ولكنى أجدها مهمة، فقد لاحظت فى المؤتمرات المصرية أن فى الأغلب الأعم يتجاوز المحاضر وقته المحدد له، وأحياناً يتجاوز ضعفه!!، وعندما يتم تنبيهه إلى أن حديثه تجاوز الوقت، وأن زملاءه الذين سيتحدثون بعده تم خصم رصيد وقتهم المحدد، وسيضطرون للاختصار، يهبط المحاضر من على منصة المحاضرة، وهو غاضب ومتأفف، وللأسف تعاد الكرة، وتتكرر المأساة من المحاضر التالى الذى كان يشكو من تجاوز زميله السابق!!، على عكس المؤتمرات الأوروبية والأمريكية، فهناك التزام صارم بالوقت المحدد للمحاضرة لا يتم تجاوزه ولو بثانية واحدة، وأحياناً يكون هناك سيستم أوتوماتيك يفصل الميكروفون ويقطع الصوت أو عداد يظهر مرور الوقت بالثانية على الشاشة أثناء المحاضرة، ولكن غالباً لا يحتاج المحاضر تلك الساعة، لأن ساعته البيولوجية الداخلية تربت على هذا الانضباط، لذلك تضبط عقاربها من خلال اللاوعى على الميعاد المضبوط، إنه فن إدارة الوقت والإحساس المنضبط والجاد بالزمن وبضغط وسرعة تروس عجلته، لا توجد عندهم عبارة «ما تيجى نضيع وقت»، فالاستثمار فى الوقت أفضل أنواع الاستثمار، وقد ضربت مثلاً بما يقال عنهم كريمة الكريمة فى المجتمع، من علماء وأطباء، وبالرغم من ذلك لا يحسون بالزمن وضغطه ولا يحسنون إدارة الوقت، ومن هنا يأتى ترهل الأداء و«لكاعة» التنفيذ وبطء الإنجاز، ولكنهم ليسوا بمعزل عن المجتمع، فكل المجتمع مثلهم وغالباً بصورة أسوأ، انظر إلى برامج الرغى والتوك شو واسمع وشاهد بطء الإيقاع والثرثرة حتى مطلع الفجر، عندما تتفق على ميعاد مع صديقك تقول له بمنتهى الجدية هعدى عليك بعد العشا!!، وكأن اختراع الساعة لم يصلنا بعد، وكأننا ما زلنا نقيس الوقت بمقدار الظل والساعة الرملية!!، معادلاتنا الإنسانية والاجتماعية والسلوكية لا يدخل فى نسيجها عامل الوقت وعنصر الزمن، برغم أن الزمن صار يستهلك معظم جهد علماء الفيزياء لدرجة أن أكثر الكتب العلمية مبيعاً فى العالم كله للعالم ستيفن هوكنج، ويتحدث فيه عن موجز تاريخ للزمن، ونحن ما زلنا نغنى: «قول للزمان ارجع يا زمان»، إذا لم نحس كمجتمع بأننا لا بد أن نستلف من الغد 24 ساعة، ونضاعف مساحة اليوم لكى نسابق الزمن ونلحق بقطار، بل بصاروخ الحضارة، فلن نصنع أى مستقبل، إذا لم نستثمر وقت القهوة والشات والرغى والنميمة والفضول فى معرفة أسرار الآخرين والحكم عليهم، إذا لم نستثمر هذا الوقت فى شىء جاد وعمل مثمر، فلن يحدث تقدم ولن نصنع رفاهية، إذا لم تنضبط ساعاتنا الداخلية، فيجب أن نحطم الساعات التى نحملها فى معاصمنا، لأنها ببساطة عبء ثقيل وديكور وهمى.