معظمنا فى مصر لا يفهم ولا يسعى لفهم الواقع الليبى برغم أن تغير وتبدل وتأزم الوضع الليبى أو جبهتنا الغربية ينعكس علينا بشكل يماثل، بل يفوق أحياناً الجبهة الشرقية، لذلك سعدت برسالة المحرر الاقتصادى علاء حمودة، الدارس والفاهم والمحلل للوضع الليبى التى يشرح فيها ما يقال عن طرد داعش من منطقة البترول بواسطة قوات حفتر ويصحح لنا الصورة قائلاً: ليس من الإنصاف الحكم على التطورات الليبية بشكل ظاهرى، بوصفه صراعاً بين جيش فى الشرق وإسلاميين فى الغرب، ففى ذلك تبعيض للمشكلة، وقراءة سطحية مبتورة لها، فما يحدث فى ليبيا الآن هو زاوية من صراع معقد يلعب فيه المال والسلطة والجهوية (شرق وغرب) دوراً فى إدارة أسبابه، فى غياب مفهوم الدولة الحديثة. قبل وصولها إلى طرابلس على متن زورق فى الثلاثين من مارس الماضى، حصلت حكومة الوفاق الوطنى فى ليبيا برئاسة فائز السراج، المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، على تأييد من جهاز حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجضران، وهو فصيل مسلح غير رسمى يسيطر على المنشآت النفطية فى شرق البلاد، التى أغلقت 3 منها منذ 2013 وسط نزاعات سياسية. عملياً، لم تسيطر داعش مطلقاً على صناعة النفط الليبية -كما هو شائع-، إذ خاض الحرس عدة معارك مع عناصر تنظيم داعش كان آخرها فى شهر مايو الماضى، واستعاد بلدة بن جواد وأفشل محاولات التنظيم السيطرة على الهلال النفطى، لكن هناك أسئلة تدور فى الأوساط الليبية حول الجضران وميليشياته، خصوصاً ما يتصل بذمة عناصرها المالية. مؤخراً، تضاءل خطر تنظيم داعش، بعد عمليات البنيان المرصوص، التى نفذتها حكومة الوفاق الوطنى بالاستعانة بميليشيات من مصراته، لكن بقيت إشكالية حرس المنشآت النفطية (بدعم السراج) قائمة، إذ يعارض الجيش الليبى بقيادة الفريق أول ركن خليفة حفتر سيطرة حكومة الوفاق الوطنى وحرس المنشآت على حقول النفط فى المنطقة، وسبق أن هدد باستهداف شاحنات نقل النفط التى لا تحصل على ترخيص من الحكومة المؤقتة فى شرق البلاد. ومع تصاعد المخاوف من احتمال اندلاع قتال فى محور أجدابيا-الزويتينة؛ سارع جهاز حرس المنشآت النفطية الذى يقوده إبراهيم الجضران إلى إعلان أن الطرف الآخر كان هو البادئ بالهجوم، وأن جهاز الحرس والقاطع الحدودى فى مدينة أجدابيا بالتنسيق تصديا للهجوم. اشتباكات الجيش والحرس هى حلقة من مسلسل صراع على الثروة وسط فوضى عارمة وغياب للجيش الوطنى الجامع لكل المكونات الفئوية والجهوية، واللافت أن ذلك جاء بعد أيام من الإعلان عن تشكيل هيئة عليا لقيادة الجيش الوطنى فى البلاد، تكون بمثابة القيادة العليا للجيش تتكون من رئيس برلمان حفتر عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسى فايز السراج والفريق أول خليفة حفتر، إلى جانب اثنين من أعضاء المجلس الرئاسى للحكومة. وعلاوة على الصراع الاقتصادى على مصادر الثروة، فإن محللين غربيين يرون فيما يحدث محاولة من حفتر لإعادة موازين قوى اختلت عقب الانتصارات المعنوية التى حققتها ميليشيات مصراته على داعش فى سرت، وفى نطاق أضيق لكنه بالغ الأهمية، تبرز إشكالية صراع بنغازى ومصراته أو الشرق والغرب. أخطر ما فى المواجهات الأخيرة، أنها تؤجل حل الأزمة الاقتصادية الطاحنة للبلاد على المدى القصير، تلك الأزمة التى تضع الليبيين تحت أنياب تآكل الاحتياطى النقدى وشح السيولة ونقص المواد الغذائية الأساسية، بفعل تراجع إنتاج البلاد من النفط تحت تأثير المواجهات المسلحة والانقسام السياسى، إذ هبط إنتاج النفط بعد إطاحة معمر القذافى قبل خمس سنوات من 1.6 مليون برميل يومياً إلى أقل من 400 ألف تقريباً.