لو لم تستمتع باللوحة أو بالموسيقى أو بالسينما أو الدراما أو المسرح فأنت لست أمام عمل فنى، والمتعة ليست الفرحة، من الممكن أن يكون العمل مشبعاً بالشجن أو مثيراً للرعب أو باعثاً على الحزن لكنه فى البداية والنهاية ممتع، وإذا حُرمنا كجمهور من هذه الصفة وسُرقت منا تلك الخاصية، وهى المتعة، فإننا من الممكن أن نكون أمام شخبطة وليس لوحة، نقرأ نظماً وليس شعراً، نشاهد فوتوغرافيا باردة أو كارت بوستال أخرس وليس سينما أو دراما نابضة بالحياة، أتمنى أن يترسخ هذا المفهوم فى ذهن كل صناع الدراما المصرية، الفن أو الدراما متعة أولاً وبجانبها إيقاع وتسلية، مثلاً أنا وقعت فى غرام مسلسل أفراح القبة فى حلقاته العشر الأولى ثم بعدها تاه الإيقاع وضاعت التسلية واختفت المتعة، أنا شخصياً أعتبر محمد ياسين من أفضل مخرجى الدراما المصرية إن لم يكن أفضلهم، لكن ليس بالإخراج وحده تعيش الدراما وتحيا المسلسلات، لو لم يكن النص قوياً محافظاً على مغناطيس جاذبية المتعة وشعرة الإيقاع المتوازنة المتصاعدة ومفردات التسلية بمعناها الراقى وليس بمعناها السطحى المستهلك المنتمى لعالم السبكى وأفلام المقاولات، لو لم يمتلك النص تلك الصفات لأصبحنا أمام استعراض عضلات وشقلباظات إخراجية مونتاجية تصويرية، النص فى «أفراح القبة» بدأت تظهر فيه المشاكل بعد العشر حلقات الأولى، كذلك فى «ونوس» وبرغم موهبة الكاتب عبدالرحيم كمال الكبيرة فإن الإيقاع قد أفلت، ووقعنا فى فخ النمطية وأحادية الشخصيات وتحولها إلى بوق فكرة ومرادف سلوك ثابت على طول الخط وليس شخصية من لحم ودم فيها ألوان طيف متعددة ومنحنيات صعود وهبوط، هناك شخصية نموذج للحسد ثابتة وشخصية نموذج للطمع ثابتة وهكذا.. إلخ، وكأنها ماكيتات أو باترونات وليست شخصيات دراما، أصابنى الملل فى منتصف الطريق برغم كل ما يمكن أن يقال عن أداء النجم الجميل المتمكن «الفخرانى»، قال الفيلسوف «شوبنهور»: «كل الفنون تطمح إلى أن تكون موسيقى»، وهنا يكمن معنى الإيقاع الذى تمثله أعلى أنواع الفنون، الموسيقى، كل الفنون لا بد أن يكون نابضاً بداخلها هذا الإيقاع السحرى، حتى فن النحت الذى هو صخر أو جرانيت صلب لا بد أن يحافظ على الإيقاع بمعناه الشامل، وذلك لسبب بسيط وهو أن حياتنا نفسها إيقاع؛ ليل ونهار، شهيق وزفير، نمو وذبول، زرع وحصاد، حر ومطر.. إلخ، أى عمل فنى خالٍ من الإيقاع فهو بالضرورة عمل ميت خالٍ من الحياة، لا بد لكل من يتصدى لكتابة الدراما أن يكون عارفاً بالهيكل العام وهو ما يسمونه بالتريتمنت أو المعالجة، يعرف كيف سينهى العمل، ولا يلوص ويتلخبط ويتلخفن فى النص فيضطر للترقيع والقص واللزق ويضغط عليه الوقت ويبقى عايز يخلص، كيف ستتشابك الشخصيات والأحداث وكيف سيتم تفكيكها، كيف سنصعد سلم الدراما بدون ما ننزل على جذور رقبتنا ويسحب منا السلم نفسه!!، يا صناع الدراما أمتعونا وسلونا وأفيدونا بمعنى أو بهدف، ليس ضرورياً أن يكون المسلسل عن قضية فلسطين لكى يكون مسلسلاً هادفاً، المهم ألا يكون مسلسلاً هاتفاً، أن يكون بالأساس فناً وبعدها ممكن نتكلم فى أى حاجة، بس المهم يبقى فن بشروط الفن ومعايير الفن ومتعة الفن.