حسناً فعلت جريدة «الوطن» فى عدد الأمس عندما فتحت ملف تعدد الزوجات الشائك، فمن أهم أعراض مرض التطرف والتعصب الدينى وأخطرها استخدام النصوص الدينية ولىّ أعناقها لتحقيق أو للحفاظ على مكاسب وانتصارات وهمية يلبسها أصحابها ثوب القداسة فيصبح الاقتراب منها توغلاً فى حقل الألغام، وقد استخدم الرجال المسلمون بكل ألوان طيفهم من فقهاء وحكام ورجال دولة وساكنى شارع وعابرى سبيل هذا السلاح أفضل استخدام فى قمع المرأة وقهرها تحت عباءة الدين والدين منهم براء، ولم أر فى حياتى مكسباً يدافع عنه الرجال مثل مكسب تعدد الزوجات أو رخصة «مثنى وثلاث ورباع» التى يحاربون من أجل تثبيتها وتوسيع معناها وتعميق فائدتها بكل ما أوتوا من قوة، ولم أعرف آية تمت قراءتها بابتسار وإساءة فهمها عن عمد مثل هذه الآية التى فسروها على أنها إباحة تعدد غير مشروطة، وأعتقد أن هذا الدفاع المستميت هو من باب «الطفاسة» الذكورية لا الرخصة الشرعية، ومن قبيل «فراغة العين» الرجالى لا من باب التحليل الدينى. الآية مثار الجدل التى اعتمد عليها معظم الفقهاء وتعلق بأهدابها الرجال من بعدهم لتحليل تعدد الزوجات فى الإسلام هى الآية رقم 3 من سورة النساء «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا»، ولكى نفهم أن انتزاع «ما طاب لكم من النساء» من سياقها لترويج فكرة تعدد الزوجات على إطلاقها هو انتزاع به قدر كبير من سوء النية والألاعيب الفقهية، ولنسأل أنفسنا: لماذا نزلت هذه الآية؟ وما الظروف التى قيلت فيها؟ حتى نعرف ماذا يقصد قرآننا الكريم بفكرة التعدد، وما هو الهدف منها؟، وكيف قرأها فقهاء تونس المستنيرون على سبيل المثال وهم الذين اتهمهم البعض بالجهل والتدليس نتيجة تغريدهم خارج السرب وخروجهم عن مسار القطيع واستفزازهم لكسالى الفقه بتشريعهم القانونى الذى يمنع تعدد الزوجات؟، هذه الرخصة التى قررتها الآية ارتبطت بظرف معين ومحدد مثل ما حدث بعد غزوة أحد واستشهاد عدد كبير من الرجال تركوا نساءهم أرامل من بعدهم، فجاءت الآية لإنقاذ هؤلاء الأرامل ووضع حد لاضطهادهن والسماح لكل منهن بالحصول على فرصة زواج شريف فى كنف رجل يحميها وتنتقل إليه مسئولية العناية بها وبأولادها، وكان الشرط أن يأخذها مع أولادها ولا يتركهم وحيدين بغير عائل أو حماية، ولو فكرنا بمنطق اللغة العربية فإن جواب الشرط «فانكحوا ما طاب لكم» مرتبط بالشرط الذى هو «وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى»، أى أنه بعبارة أخرى كما قال المفكر محمد شحرور أطلق الكم حتى أربع وقيّد الكيف بأن تكون أرملة ذات أيتام، ولو فهمنا الآية مثلما فهمها معظم الرجال من أنها إطلاق للتعدد فلابد أن نقرأ النصف الثانى من الآية التى تتحدث عن الخوف من عدم العدل والذى فسره معظم الفقهاء القدامى بأنه العدل المادى، وبالمناقشة الهادئة نجد أن العدل المقصود الشامل مستحيل بين الزوجات وليس هذا كلامى، ولكنه كلام القرآن الذى قال فى محكم آياته «وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ» وما كان معلقاً على شرط مستحيل فحكمه ببساطة حكم الموقوف، وبالتالى سينطبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم على كل من حوّل الاستثناء إلى أصل بأنه سيأتى يوم القيامة وأحد شقيه مائل لأنه لم يعدل بين زوجاته، وأعتقد أن كل من يقرأ هذه الآية قراءة متفحصة مستنيرة سيفهم أنها تضيق من التعدد الذى كان سائداً قبل الإسلام ولا توسع من مفهومه لأنها تربطه بظروف موضوعية معينة، والسؤال: لماذا فهمنا الآية على أنها لتعدد الزوجات لا على أنها لكفالة اليتيم؟!، لماذا اتجهنا إلى هذا التفسير الأول المغرض الذى يركز على المتعة الجسدية وتركنا التفسير والفهم الثانى الذى يحض على التكافل؟، هذا سؤال عابر ألقيه فى حجر المناصرين لتعدد الزوجات وأتباع حزب الحاج متولى، وسنحاول الإجابة عنه غداً.