تتعدد المضاعفات الجسدية والنفسية للتحرش الجنسى بما لا يمكن حصره فى هذا المقال، ولكن سنحاول تلخيص مثل هذه المضاعفات بشكل سريع حتى نلمس عن قرب مدى التدمير الذى يسببه هذا التحرش فى روح الطفل قبل جسده، فالأعراض الجسمية، وهى الأقل تدميراً والأسرع التئاماً، تشمل الالتهابات الناشئة عن الاعتداء، التى لم تعالج فى الوقت المناسب نتيجة الخوف والخجل الذى يزيد من معاناة الطفل، ناهيك عن الاضطرابات المعوية التى تصيبه، فضلاً عن الالتهابات التى تنشأ فى الأجهزة التناسلية، والنزيف الذى ربما يحدث فى المناطق التى تعرضت للاعتداء، أما الآثار النفسية الأخطر فيلخصها علماء وأطباء النفس فى نقاط أهمها الشعور بالذنب الذى يسيطر على الطفل، واتهامه لنفسه بعدم المقاومة، وهذا الشعور هو أبو الكوارث والمصائب النفسية جميعها التى من الممكن أن تصيبه لاحقاً ما لم يتخلص منه، والغريب أن المجتمع يساهم فى تأصيل مثل هذا الشعور وتأكيده عن طريق نظرته إلى ما حدث للطفل المعتدَى عليه بأنه فضيحة هو مسئول عنها، ناهيك عن توبيخ الأسرة له التى من المفترض أنها مصدر الأمان له، ومطالبته بالسكوت، خاصة إذا كان المعتدى من أفراد العائلة، وهذا كله يجعل الطفل يفقد الثقة فى نفسه وفى أسرته وفى المجتمع بشكل عام الذى لم ينصفه وهو المظلوم المعتدى عليه. ومرحلة الطفولة تكون من المراحل المبكرة للنمو النفسى لدى الإنسان، وأى اختلال فيها كهذا الموقف يؤدى إلى زيادة إمكانية تعرُّض هذا الطفل لشتى أنواع المرض النفسى، وقد يسلك الطفل نفس سلوك الجانى بالاعتداء على آخرين كنوع من الانتقام، وتؤكد الأستاذة الدكتورة «هناء المطلق» -المعالجة النفسية بالرياض- أن أقل تحرش جنسى بالطفل يخلق له عاهة نفسية مستديمة طوال حياته، إلا أن معظم الناس لا يدرون عما يحدث لأطفالهم، ليس بالضرورة لإهمال منهم، بل لأن الطفل ربما لا يصارح أحداً بما حدث، فقد يخاف أو يشعر بالذنب، فهو لا يعرف أنه برىء، وأنه ضحية، ولا يدرى ما حجم دوره فى الموضوع، بل وحتى الكبار يصمتون حين يعرفون، وتقول إنها كثيراً ما تسمع عن أمهات سكتن عما حدث لأطفالهن حفاظاً على علاقتهن بالجانى، فهو من الأقارب، وهى لا تريد لفت انتباه أحد، أو تخاف ألا يصدقها الآخرون، وتعلق على ذلك قائلة: كل هذا وهى لا تعرف الآثار النفسية الخطيرة التى يتعرض لها ابنها أو ابنتها المعتدَى عليها، فالطفل الذكر ربما يتوحد مع الجانى ويأخذ طريقه إلى الشذوذ، ناهيك عن حالات الخوف والقلق التى تلازمه طوال حياته، أما الأنثى فإن أكثر ما ينعكس على حياتها من جرّاء ذلك خوفها من الرجال عموماً، والرهبة دون أسباب واضحة، والخوف من المستقبل، والخوف من العلاقة العاطفية الخاصة فى الزواج، وتخاف من لمس الأماكن الحساسة فى جسدها؛ لأن ذلك يحرك مخاوفها القديمة الراكدة، وقد يتولد للمرأة أيضاً شذوذ جنسى ربما بشكل غير مباشر، فتكره الرجل، وتميل إلى جنسها حين تشعر بالأمان، وكثير من العلاقات فى الزواج تدمَّر بسبب تحرش جنسى بالمرأة حين كانت طفلة؛ حتى إن كان مجرد لمس جارح لملابسها؛ فالموقف برمته يُحدث شرخاً بداخلها.