تذكرت اليوم قصيدة الأرض الخراب للشاعر الأمريكى ت.س.إليوت التى يقول مطلعها: «أبريل أقسى الشهور»، فى 21 أبريل اتفق ثلاثة عمالقة من كتيبة الموهوبين على الرحيل، السنوات مختلفة لكن اليوم واحد، توقيع الرحيل وهجرة الأرض تمّا من ثلاثة مبدعين عباقرة معجونين بتراب هذه الأرض، صلاح جاهين، سيد مكاوى، عبدالرحمن الأبنودى، أتذكرهم اليوم كضرورة احتياج وصرخة استدعاء وتلمس مساعدة ونصيحة، وليس كرسالة وداع أو لمسة وفاء أو حنين وشجون ذكرى، فى هذه الأيام المضطربة المشوشة وجدتنى أصرخ لماذا انتحرت وغادرتنا يا صلاح وأنت فى قمة إبداعك وذروة مجدك؟! لماذا اتخذت هذا القرار الرهيب بمغادرة المكان وهو لم يزل محتفظاً بعبق إبداعك؟، لماذا كانت كل هذه المرارة فى رسالة وداعك عن العالم يا جاهين؟، هل لأنك كنت محتفظاً بالنبوءة؟، مبتسماً فى سخرية وكأنك ترسم كاريكاتيرك الأهرامى معلقاً: «لن أستطيع أن أرسم كاريكاتيراً بعد اليوم عن حياتكم، فقد صارت تفاصيل حياتكم أقوى من أى كاريكاتير، مستعصية على السخرية، لأنها صارت مسخرة»!! وجدتنى أغنى مع سيد مكاوى: «ما تفوتنيش أنا وحدى أفضل أحايل فيك.. ما تخليش الدنيا تلعب بيا وبيك»، لكنك فتنا وحيدين نجتر ضحكاتك وابتسامتك المدهشة، نتحسر على أيقونة البهجة التى كانت تواجه الحياة بالنكتة والطرفة وحب الحياة قبل أن تغزونا رياح الكآبة الصحراوية، وتقتلع شتلات الفرح وبراعم الفل وأطواق الياسمين من حقول عمرنا البخيل، كنت الشيخ حسنى فى حياتنا الذى انطلق بموتوسيكل اللحن والإيقاع فى حارة المحروسة وتحدى الجميع وضحك على الجميع وعمل مقالب فى الجميع. رحلت قبل أن يكون الضحك جريمة، والحياة حراماً، والإبداع طريداً من فردوس كهنوت الشر وسماسرة الدين، وأصحاب توكيلات الرب، رحلت مع صديقك جاهين ومعكما شفرة الليلة الكبيرة وتركتما لنا زحام «العالم الكتيرة»، دفنت المفتاح معك، أخذته إلى قبرك. تركتنا نطرق الباب فيرد علينا الصمت، صرت أنت المبصر، ونحن العميان، وجدتنى أناديك يا أبنودى، يا عبدالرحمن، يا خال، «أبداً بلدنا للنهار...بتحب موال النهار.. لما يعدى ف الدروب ويغنى قدام كل دار»، ما زلت أغنى موال النهار منتظراً بلدنا السمرا تخرج إلى الترعة لتغسل شعرها، تغسل همومها، تنفض حزنها وتطهر جرحها، لماذا طال الليل واختفى القمر من ليالى السمر يا عبدالرحمن؟، هل راحت على النهار نومة؟ هل طالت القيلولة حتى صارت دهراً؟، غنيت بصوتى المشروخ معك «ما تمنعوش الصادقين عن صدقهم، وما تحرموش العاشقين من عشقهم، كل اللى عايشين للبشر من حقهم يقفوا ويكملوا يمشوا ويتكعبلوا ويتوهوا أو يوصلوا، وإذا كنا مش قادرين نكون زيهم نتأمل الأحوال ونوزن الأفعال يمكن إذا صدقنا نمشى فى صفهم»، لم يسمحوا لنا يا خال بالعشق فقد صار خطيئة، حرمونا من حق الكعبلة والمحاولة والتعثر، لم نعد صفاً بل صفوفاً، لم نعد شعباً، بل صرنا شعوباً، لم نعد عشاقاً لمصر لكننا صرنا عبيداً للمصارى، أحسست اليوم بأننى قد أصبحت الخواجة لامبو العجوز الذى خلدته فى قصيدتك الساحرة، ولأننى أبوعمر تخيلت أننى المقصود فى أبياتك الخالدة: «يا قمر يا رغيف بعيد النهارده الحدّ.. عيد الفقير ليه مش سعيد؟! والغناى ليه مبسوطين؟! يا قمر يا أبوعمر لسه العباد ع الحانة كابسة عاوزه تنسى عاوزه تنسى والغناى لو يسكروا يبقى لجل يفكروا يسرقوا م المسروقين؟!».