سبب تفكّك الدولة هو هزيمة 67، عبارة وردت فى مداخلة الرئيس السيسى مع الإعلامى عمرو أديب، وأنا لا أنكر بالطبع كارثة تلك الهزيمة المرة وأثرها، وذلك الجرح العميق الذى ترك بصمته على الأماكن والبشر والروح، لكن فى رأيى المتواضع أن ما فكك الدولة حقاً هو الإسلام السياسى، و«الإخوان» على رأسه، فهو الرحم والحضانة والمرضعة والمدرسة لكل تلك التيارات التى خرجت كالعفاريت من صندوق الباندورا الإغريقى، هزيمة 67 التى منحها «هيكل» اسم الدلع «النكسة» تجاوزناها بعد 6 سنوات فى حرب أكتوبر، إذن «67» كانت بمثابة التطعيم أو اللقاح أو «الفاكسين» الذى منح جهاز المناعة يقظة بعد غفلة وصحوة بعد غفوة واستفزازاً بعد ترهل وتراخٍ، عرفنا أن الجهل والعشوائية والنفخة الكدابة وعدم منح الكفاءات الفرصة والاعتماد على أهل الثقة، كانت من ضمن أسباب تلك الهزيمة الفادحة، لكن عندما استبدلنا بالعسكرى الأمى عسكرى المؤهلات، فصار من يقف على صاروخ «سام 6» خريج كلية هندسة، وليس خريج كتاب «الشيخ عماشة»، أو من الهاربين من الابتدائية، عندما حدث هذا وأعدنا بناء الجيش من جديد على أُسس علمية كان النصر حليفنا، عندما سمحنا لرتبة صغيرة لديها كفاءة بأن تفكر خارج الصندوق، خرجت فكرة المهندس باقى يوسف لتحطيم الساتر الترابى بخراطيم المياه إلى النور وتم العبور، احتمل أهل القناة ظروف التهجير اللا إنسانية، وصبروا ولم يحتجوا أو يتظاهروا وتحمّلوا، لأن الأمل كان موجوداً والثقة فى النصر مهما طال الأمد كانت حاضرة فى المشهد بقوة، هذا كان السر، وأيضاً كان الدليل على عدم التفكّك، فقد كنا نسيجاً واحداً متماسكاً ولم يكن منا من يرقص على جثة الوطن أو يبتهج فرحاً لهزيمة منتخبنا فى ماتش كرة قدم أو يرفع علامة النصر عند ذبح جندى مصرى أو نحر عامل فقير قبطى هاجر إلى بلد من الجيران، طلباً للقمة العيش!، أما مع ظهور الإسلام السياسى واستخدام الدين فى السياسة وفتح بوتيكات التجارة فيه، فهذه بالفعل بداية لحظة التفكيك الحقيقى للدولة، إنه الإيدز الذى أصاب جهاز المناعة الوطنى، فصارت تقتله مجرد لفحة هواء أو نزلة برد!!، صار من السهل أن يقتل الابن أمه لأنها كافرة، وصار من المباح إخوانياً، بل من المفروض والواجب جهادياً أن يُفخخ معسكر أو تُدمّر مديرية أمن بانتحارى يضع كل المخالفين فى خانة الكفار الذين لا يحتاجون إلا لمجرد حزام ناسف يحولهم جميعاً إلى رماد، وينقل الانتحارى بسرعة الضوء لزفاف الحوريات العين فى فردوس السماء!!، التفكك الحقيقى وانفراط العقد وتمزُّق النسيج والشلل الرعاش لجسد الوطن بدأ مع أول مستوصف إخوانى ومدرسة سلفية وبنك إسلامى وجامعة وهابية. بدأ عندما تمت دعوة «التلمسانى» ليجلس فى الصف الأول لمدعوى المناسبات الرسمية لرأس الدولة، وعندما بدأ الدعاة وخلايا الإخوان الظاهرة والنائمة يبتزون الدولة ويشاركون فى وضع الخُطط الإعلامية، ويتسابقون على رفع قضايا الحسبة على الفنانين والمثقفين والدخول البرلمانى بالثمانية والثمانين!!، بدأ عندما سافر كثير من رجال المؤسسة الدينية وعبروا البحر الأحمر، ثم أحضروا إلينا مع «الفور باى فور» الجيمس والغترة والجلباب الأبيض الأفغانى، أحضروا أفكار الوهابية، ونثروا بذورها من على المنابر والشاشات والجامعات لنحصد الحصرم، باختصار عندما رفعت الدولة يدها عن الشارع و«كبّرت الجمجمة» بلغة الشباب الروش وتركته للإخوان والسلفيين. بعد «67» سيارة الوطن عملت حادثة، لكنها احتفظت بالموتور، لكن مع «الإخوان» احترقت سيارة الوطن وتفكّكت واحترق الموتور، وكانوا للأسف يريدون بيعها خردة للتاجر القطرى والسمسار التركى!