معرض الكتاب بالنسبة لى طقس مقدّس، وعادة مزمنة منذ أول معرض أمام كوبرى قصر النيل، حتى انتقل إلى مكانه الحالى، إلا أننى فى هذا العام، ولأول مرة فى حياتى أحس بعدم الرغبة فى الذهاب إليه، وباللاجدوى من حضور فعالياته. وأتساءل: ما جدوى معرض الكتاب فى وطن يسجن الكُتّاب؟!، ما جدوى أن أكدّس كتباً فى مكتبتى وأن أتحول إلى دودة كتب تتشرنق داخل سطورها؟، وعندما أحاول أن أخرج من الشرنقة وأعبر عن تلك الأفكار خيوط حرير، يتم سجنى بتهمة التفكير وجريمة الازدراء!!، ما جدوى الاحتفاء بالكتاب فى وطن يريد أن يظل الكتاب زينة على رف، وديكوراً متمشياً مع لون ورق الحائط؟، ما جدوى معرض الكتاب فى وطن يُقدّم لى تجديد الخطاب الدينى قطعة جبن فى مصيدة فئران؟، ما جدوى الكتاب فى وطن يتركنى عارى الصدر أتلقى سهام التكفير وتغرس فى لحمى أنياب ضباع هواة الشهرة وعابرى السبيل من أرباع المحامين، وظهرى يستند إلى جدار من المسامير المسمومة ويطالبوننى بالتفاؤل وتجديد الخطاب وتعلية الجواب؟!، ما جدوى إقامة الأفراح والليالى الملاح فى أرض المعارض، بينما يتم سجن كل مفكر ومثقف معارض؟!، ما جدوى المقهى الثقافى ونحن نشربها سادة على روح الثقافة المصرية؟، أقترح على الوزير حلمى النمنم أن يحول خيم عرض الكتب إلى صوان عزاء كبير، وينقل الفعاليات الثقافية إلى عمر مكرم لتلقى العزاء فى أحفاد «ابن رشد» الذين دفنهم أحفاد «ابن تيمية»!، ما جدوى الكتاب فى مجتمع الوصاية ووطن المصادرة، حيث سلمونا تسليم أهالى ومفتاح و«ع المحارة» إلى عصابة المحتسبين الجُدد، ومنحوا عقلنا إجازة مفتوحة وأجّروا عقولنا مفروشة للمؤسسات الدينية التى تغولت وتفتونت واستأسدت على كل مثقف يصرخ وحيداً فى البرية قبل أن يقبع فى زنزانة الازدراء الملكية؟، ما جدوى الكتاب فى زمن يُكرّم مؤججى الفتنة الطائفية وأهل الكهف المنادين بالسبى وتجارة الجوارى ونكاح الجهاد وزواج الأطفال، ويصعدهم على المنابر، لتعليمنا أصول الدين، بينما يسجن من يريد إنقاذ هذا الدين من التشويه وسوء السمعة والاختطاف القسرى؟، المثقفون ملح الأرض، صدر الفرمان بتحويلهم إلى نفايات بلاعات الصرف الصحى، ظللتم ترددون أنتم القوة الناعمة حتى هرست هاماتنا تحت أحذيتكم الغليظة، خرجنا فى 30 يونيو ونحن على العهد والوعد بدولة مدنية، واجتثاث لجذور الإرهاب باسم الدين والسمسرة فى بوتيكات تجار الإسلام السياسى، فإذا بنا ندخل إلى نفق الدولة الدينية المعتم بسرعة الضوء، وإذا بسماسرة الدين يركبون على ظهورنا دون بردعة ويجلدونها، ومطلوب منا أن نوصلهم إلى محطة غايتهم، بل نشكرهم على تجديدهم الميمون!، وإذا بالمثقفين يصبحون مخزوناً استراتيجياً للإحباط ورصيداً احتياطياً للاكتئاب والعزلة والانكسار، وهم يرون طابورهم يتناقص يوماً بعد يوم، ويختطف من بينهم مثقفاً أو مفكراً أو شاعرة أو فناناً فى غياهب السجون وظلمات الزنازين، هم لم يرفعوا سلاحاً بل أشهروا قلماً، لم يرتدوا حزاماً ناسفاً، بل ارتدوا رغبات حداثة وأمنيات استنارة، لم يفخخوا كميناً، بل فخخوا الجهل والتخلف والتطرّف، تمنينا أن تتفتح كل الزهور، ولم ننتبه إلى من يقطفها ويفرض عليها الذبول قبل الأوان ثم يدهسها بحذائه قبل أن يفوح عطرها الذى يُعتبر جريمة فى زمن أدمن رائحة العفن.