ونحن نحتفل بذكرى ثورة 23 يوليو ونعدد إنجازاتها، يكتب البعض حين يعدد إنجازاتها أن من أهمها قانون تطوير جامعة الأزهر، وأنا على العكس أعتبر أن هذا القانون الذى صدر 1961 هو أكبر خطأ وقع فيه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فبرغم إنجازاته المتعددة فى مجالات كثيرة غيرت خريطة مصر الاجتماعية والسياسية والثقافية إلا أن التوفيق قد خانه فى هذا القانون بالذات، ولا نستطيع أن نقول إن هذا القانون ليس مسؤوليته وإنما هو مسؤولية الحكومة، أولاً لأن الوضع لم يكن بهذا الفصل الحاد ما بين الرئيس والحكومة وقتها، ثانياً لأن قانون تطوير الأزهر ليس بالقانون السهل البسيط الذى يمر مرور الكرام فى جلسة اجتماع مجلس وزراء لكنه قانون خطير ومصيرى غير من روح الأزهر ودوره وهويته ولا يمكن ألا يكون للرئيس دور فى صياغته، هذا القانون باختصار أضاف إلى الكليات التقليدية الأزهرية التى تدرس علوم الدين الشرعية ما يطلق عليه الكليات المدنية مثل: الطب والهندسة والعلوم والزراعة والتجارة والتربية... إلخ، هذه إضافة نرى آثارها المدمرة الآن فى مظاهرات الطلبة الذين ينتمون إلى هذه الكليات بشراستها وعنفها وتجاوزاتها، فإذا كان الغرض النبيل المعلن وقتها هو تخريج الطبيب والمهندس المسلم الفاضل التقى الورع المتدين المؤمن، فيكفى نظرة إلى الواقع الفعلى وإلى تلك المظاهرات لتعرفوا هل تحققت تلك الرغبة النبيلة التى يتحجج بها البعض دفاعاً عن هذا القانون، وهل من الواجب والضرورى لتخريج طبيب عنده ضمير أن يدخل الأزهر؟ وهل معنى ذلك أن خريجى الجامعات الأخرى غير متدينين وليس عندهم ضمير فى عملهم؟! فى البداية لابد أن نقر أن إنشاء كليات مدنية تقتصر على أبناء دين معين أو مذهب بعينه هو تصرف غير دستورى وغير إنسانى أيضاً، فما ذنب غير المسلم الذى حصل على 97% ولم يدخل كلية الطب مثلاً ويلتحق بها غيره بمجموع أقل بكثير، فقط لأنه أزهرى مسلم؟! وهل ترضى الدولة أن تبنى الكنيسة كليات مدنية يقتصر دخولها على المسيحيين ولا تقبل المسلمين؟ وهل توافق الحكومة أيضاً على أن تنشئ الجامعات الخاصة مثل البريطانية والألمانية وأكتوبر كلية شريعة وأصول دين وحديث.. إلخ؟! كل هذه أسئلة لابد أن نواجهها بصراحة، هذا التوسع الرهيب فى تلك الكليات والمعاهد الأزهرية والذى لم ينعكس على مجتمعنا أخلاقياً وإيجابياً كما تمنى البعض والذى نصمت أمامه خوفاً وتقية من اتهامات التكفير وازدراء الأديان وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، صار هذا التوسع بلا ضابط ولا رابط، وصارت مناقشته خوضاً فى حقل الألغام وكأنك تناقش فرائض الإسلام، وكأن قسم المحاصيل فى كلية زراعة الأزهر الفريضة السادسة فى الإسلام، أو قسم الجيولوجيا فى علوم الأزهر لا يصح إسلام المرء إلا بالالتحاق به! أعرف أن مناقشة هذا الأمر هو فتح لصندوق الباندورا الأسطورى المرعب، لكننا فى زمن لا يحتمل نصف الألسنة وكتابة الأيدى المرتعشة، ومستعد لطرح وجهات النظر المختلفة فى تلك القضية الشائكة التى تطرح قضية أكبر وأخطر وهى ازدواجية التعليم المصرى التى لم يعد مجتمعنا قادراً على تحمل عواقبها الثقافية الوخيمة.