وصلتنى رسالة من د. يحيى نور الدين طراف، أستاذ جراحة العظام بقصر العينى، تعليقا على ما كتبته من أن معركة العقل والاستنارة ضد داعش يخبرنا التاريخ بأنها حتما ستنتهى لصالح العقل والنور والحرية، مهما كان حجم التوحش والهمجية الداعشية التى مارستها من قبل أوروبا فى عصور الظلام، يقول د. يحيى طراف فى تعليقه: قلت مطمئناً الناس إن العقل حتماً سينتصر على داعش، لكن لابد من دفع الثمن، ولست أغمط دور العقل فى القضاء على هذا التنظيم الذى هو نفسه وليد غياب العقل، لكن العقل إذا لم يمتط جواد القوة فسيظل داعش يعيث فساداً فى منطقتنا. هذا الفكر المتطرف المنحرف ليس غريباً على أمة الإسلام، فهو موجود منذ أفول الخلافة الراشدة، ولعله أن يكون أحد أسباب زوالها، ومازال ينتقل عبر الأجيال حتى وصل لأيامنا هذه. هو كامن فى النفوس، يتحين الفرصة كى يخرج ويعلن عن نفسه كما حدث اليوم. وليس غياب العقل فقط هو الذى أخرجه من مكمنه، وإنما غياب الدولة القوية الراسخة، فرأيناه انتشر فى سوريا والعراق واليمن وليببا، وفى كل دولة عجزت سلطتها المركزية عن كبح جماح الخارجين عليها. داعش يحاول أن يجد له موطئ قدم فى مصر، يشهد على ذلك ما حدث فى مذابح كرداسة ورفح وغيرها. وما حدث فى بلادنا من قبل من سحل الشيعة فى شوارع أبوالنمرس، وربط قاتل فى عمود إنارة حتى يأتى ولى قتيله فيشنقه وسط تكبيرات وتهليلات الأهالى، ومقتل كلب شارع الأهرم وتعذيبه وسط هتافات الجموع وتأييدهم، إنما يؤكد أن الفكر الداعشى ليس عن عموم الناس ببعيد، وإنه فى غياب ردع الدولة، فإن غياب العقل هو الذى يحكم الشارع المصرى. تقول العقل حتماً سيهزم داعش، فأين هو ذلك العقل مما نراه حادثاً فى بلادنا. أين العقل مما سردت لك من أفعال، أين العقل من بناء العشوائيات والتوسع فيها، أين العقل من البناء على الأرض الزراعية التى هى مصدر طعامنا من آلاف السنين، والتوحش فى ذلك كخلايا السرطان، حتى باءت مصر بالمركز الأول عالمياً فى تبوير الأرض الزراعية. أين العقل من بناء الأهالى على شط النيل وإلقائهم مخلفاتهم فى مياهه التى ترويهم؟ أين العقل من فوضى الشارع المصرى والمرور التى لا مثيل لها، والتى هى نتاج الناس ومن صنع أيديهم؟ هذا ليس غياباً للعقل فقط، بل هو جهل وجهالة وجاهلية لم تعرف مصر مثلها فى عمرها المديد الضارب فى أعماق التاريخ آلاف السنين. لو تُرك كثير من الناس وما يريدون ويفكرون لفسدت البلاد وسقطت، فالفكر الداعشى كامن فى غياهب نفوسهم، وأكاد أزعم أنه لو لم يُحَل بين هؤلاء والانضمام إلى داعش الحقيقى فى سوريا والعراق لنزح إلى هناك عشرات الآلاف، ليعيشوا معهم عيشة الفوضى والتسلط والتطرف وسفك الدم والاستحواذ على مال الغير ونسائه، التى توافق فكرهم وهواهم. لن يقهر فكر داعش على أرض مصر إلا الدولة القوية المسيطرة التى لا تقصر ذراعاها عن الوصول إلى كل خارج على القانون والعقل داخل حدودها مهما كان وأينما كان. عندئذ وعندئذ فقط يمكن بدء العد التنازلى لنهاية داعش وإخوته فى سوريا والعراق وليببا واليمن، وسائر بقاع الأمة المسلمة.