عندما ذكرت فى مقال سابق قصة الرسائل المتبادلة بين على بن أبى طالب- كرم الله وجهه- وحبر الأمة ابن عباس حول بيت مال البصرة واتهام على لابن عباس باستيلائه على هذا المال بدون وجه حق، وتوابع هذا الاتهام من لجوء ابن عباس لأقاربه وتحديه لأمير المؤمنين... إلى آخر القصة التى حاولت أن أعرضها ببرود أكاديمى ومن نفس المراجع التاريخية التى يعتمد عليها الأزهر، والتى توجد على أرفف مكتباته، عندما سردت تلك القصة وصلتنى ردود منتقدة بشدة ووصل بعضها إلى السباب الفاحش والتهديد الصريح، الرد الحاضر والإجابة الجاهزة «هذه إسرائيليات، وهذا تاريخ مزور»، يقولون هذا الكلام فى نفس الوقت الذى يتمسكون فيه بأحداث أخرى وعبارات وجمل من نفس الكتاب ومن ذات المرجع، لكنهم فى هذه الحالة يريدون التصديق لأن هذا الكلام يخدم أغراضهم وأهدافهم!! من الذى يملك إطلاق وصف الإسرائيليات؟... هم فقط، أين المعيار؟! امنحنى البوصلة التى تتوجه على أساسها يا فضيلة الشيخ لتقول هذا من الإسرائيليات وهذا من التاريخيات المستقرات التى لا يأتيها الباطل! المعيار والبوصلة والرادار معك أنت فقط، حصرى لفضيلتك، مصادر لصالح سيادتك، مختبئ تحت عمامتك أنت فقط لا يرى إلا بالأشعة الأزهرية تحت الحمراء التى تملكها أنت فقط، إنها الانتقائية التى يمارسها بعض من يسمون أنفسهم علماء، وعندما نواجههم بأن العلم لا يعرف الانتقائية يصرون بعناد على أنهم علماء مثلهم مثل الأطباء والفيزيائيين المتخصصين، ولا أعرف حتى الآن من أين أتوا بهذه الثقة على ترديد هذا الافتراء، المهم عندما يكون الكلام عن زواج القاصرات يكون ردهم هذا كان يناسب الماضى ولم يعد ينفع عصرنا الحديث، فنقول عظيم، فلنطبقه على موضوع الحجاب فينتفض نفس من تحدث سابقاً عن تغير الزمن صارخاً فى وجهك: الحجاب فريضة ثابتة لا تتغير بمرور السنين!! وعندما يكون الحديث عن العبيد والجوارى يضحك فضيلة الداعية ساخراً من سذاجتك: يعنى معقول عصرنا سيسمح بالجوارى والرق وملك اليمين.. يا راجل قول كلام غير ده!! عندما تقول له هايل خلاص نطبق كلامك عن عصرنا ده فى موضوع ربا البنوك فيقول لك: أتريد أن تنكر معلوماً من الدين بالضرورة، إن الربا هو نفس الربا فى كل زمان ومكان.. انت عايز تخترع دين على كيفك!! عندما تستشهد بآية المؤلفة قلوبهم دلالة على إمكانية خضوع الأحكام الصريحة التى ذكرت فى آيات صريحة لتغير الفهم مع الزمن يصرخ فى وجهك هذا ليس إلغاء لحكم قرآنى ولكنه تعطيل أو توقيف... إلخ، تلاعب بألفاظ وتبرير حسب الطلب وتفصيل حسب المقاس والرغبة، انتقائية لا تعرف لها حداً فاصلاً ومعياراً حاكماً ومقياساً صارماً. العلم لا يعرف هذا التذبذب وتلك الانتقائية، معاييره واضحة ومحددة، الماء يغلى عند مائة درجة فى موزمبيق وفى الفلبين، فى زمن خوفو وفى وقت مايكل جاكسون، المعادلة واضحة لأستاذ كمبريدج ولطالب مدرسة كفر البطيخ!! العلم يعرف التعميم فى الزمان والمكان بقوانين ومعادلات وأرقام وإحصائيات ونظريات تفسر حقائق وتؤكدها الشواهد يوماً بعد يوم، هذا هو العلم وتلك هى صرامته لو أردتم علماً ولو رغبتم فى التشبه به. الأزهريون يصرون على أن تكون البوصلة وصفارة الحكم فى حوزتهم فقط، والمعيار فى نصف ملعبهم فقط، حتى المدرجات ملكهم وفى حيازتهم، كل هذا ليجبرونا فى النهاية على اللجوء إليهم، إذا لم تعجبهم القصة قالوا إسرائيليات وكذب، وإذا أعجبتهم أشاروا إلى أنها كبد الحقيقة وهى الصدق الأبلج!! وعندما تسألهم ما هو الميزان الذى تزنون به؟ يردون: هذا هو سر المهنة أيها الغر الصغير، لما تلبس عمة حتفهم، لماذا تكلف نفسك وتجهد ذهنك وتوزن بره؟ تعالى واوزن عندنا ستجد ما يسرك، نحن ملاك الحقيقة وغيرنا عمال تراحيل. متى ترفعون الوصاية عن عقولنا والغمامة عن أعيننا حتى نعرف الحق ونرى النور بدون أن ندور فى ساقية الاستعباد والعقم والجدب حتى الموت.