إلى كل من يقول إن المناظرات هى الحل، وإن طرح وجهات النظر المختلفة مع تيار الإسلام السياسى أو مع كل من يحاول استغلال الدين لكسب مساحات تعاطف سياسى فى الشارع أو لممارسة تسلط فكرى على أمخاخ المواطنين هو المنقذ لعقل هذا البلد، أقول لهم: رهانكم خاسر وأمنياتكم قبض الريح، وأذكّركم فقط بأن فرج فودة، رحمه الله، كان ضحية مناظرة، وكان فيها فى منتهى الهدوء رداً على من يقول: سيقتلون إسلام بحيرى لأنه يعبّر عن رأيه بعصبية، وهم معذورون فى ذلك لأنه عصبى ويستفزهم! أطمئنكم بأن فرج فودة فى المناظرة، واسمعوها كاملة، كان هو الهادئ الوحيد فيهم، وكان خفيض الصوت ينتقى كلماته بميزان الذهب وكأنه يمشى على السلك، ورغم ذلك لم يرحموه واغتالوه! إنهم لا يحتملون الخلاف أصلاً وهم يصدرون أحكاماً سابقة التجهيز بالتكفير ويذهبون للحوار مغلقى المسام تماماً، لكن ما هى حكاية تلك المناظرة لكى نتذكر ونعتبر ونفهم. قبل ستة شهور بالتمام والكمال من اغتياله حضر الكاتب المقاتل فرج فودة مناظرة فى معرض الكتاب واجه فيها الشيخ الغزالى والدكتور محمد عمارة والمستشار الهضيبى، واجههم فى ٨ يناير ١٩٩٢ بالمنطق وبالعقل فتمت مواجهته بعدها بستة أشهر فى ٨ يونيو ١٩٩٢ بالرصاص والدم. بكى مدير الندوة د. سمير سرحان كثيراً بعد اغتيال فرج فودة نتيجة إحساسه بالذنب بعد أن اتضح أن قرار الاغتيال جاء بعد هذه المناظرة! سأقتبس لكم من هذه المناظرة بمناسبة الاحتفال بذكرى فرج فودة بعض الفقرات وأترك لكم الحكم: هل يستحق فرج فودة الاغتيال بعد هذه المناظرة أم يستحق التكريم؟ وهل اختلافه مع الإسلام السياسى يعنى اختلافه مع الإسلام نفسه؟ اقرأوا بعين العقل وأنتم ستعرفون أن فرج فودة كان يدافع عن صورة الإسلام السمح الحضارى بعيداً عن الاستغلال السياسى وأحكام التكفير والقتل. بدأ د. فرج فودة الندوة بقوله: «لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهاداً وفقهاً، الإسلام الدين فى أعلى عليين، أما الدولة فهى كيان سياسى وكيان اقتصادى واجتماعى يلزمه برنامج تفصيلى يحدد أسلوب الحكم». يقول فودة أيضاً: «أنا من المؤمنين بأن الإسلام كدين لا يتناقض أبداً، ونحن حين نقول نزّهوا الإسلام لنا وجهة نظر فى هذا، أنا لست مع الدكتور عمارة حين قال ليس الإسلاميون فقط هم الذين اختلفوا.. الشيوعيون اختلفوا أيضاً!!». الرد: أنا أقبل أن تهان الشيوعية ولكنى لا أقبل أن يهان الإسلام، حاشا لله، أما أن يختلف الفرقاء فى أقصى الشرق وأقصى الغرب، ويحاولوا توثيق خلافاتهم بالقرآن والسنة ومجموعة الفقهاء، لا يا سادة، حرام، حرام، نزّهوا الإسلام وعليكم بتوحيد كلمتكم قبل أن تلقوا بخلافاتكم علينا، قولوا لنا برنامجكم السياسى، هؤلاء الصبيان الذين يسيئون إلى الإسلام بالعنف وهو دين الرحمة، هؤلاء الصبيان منكم، أم ليسوا منكم؟ إذا كان التنظيم السرى جزءاً من فصائلكم أم لا، تدينونه اليوم أم لا؟ هل مقتل النقراشى والخازندار بدايات لحل إسلامى صحيح؟ أو أن الإسلام سيظل دين السلام، ودين الرحمة، والدين الذى يرفض أن يُقتل مسلم ظلماً وزوراً وبهتاناً لمجرد خلاف رأى». ويختم فرج فودة كلمته قائلاً: «القرآن بدأ بـ(اقرأ)، وسنظل نتحاور لنوقف نزيف الدم ونصل إلى كلمة سواء، وأنا أؤكد لكم أنه ليس خلافاً بين أنصار الإسلام وأعدائه، هو خلاف رؤى، وهذه الرؤى لا تتناقض مع الإسلام، لكن الفريق الذى أنتمى إليه لم ير أبداً أن الإسلام دين العنف، الإسلام هو دين القول بالتى هى أحسن، ولأجل هذا نحن ندين الإرهاب لأنه قول وفعل بالتى هى أسوأ، التاريخ نقل إلينا حوار أبى حنيفة مع ملحد، كان الحوار بالحروف لا بالكلاشينكوف! أدعو الله للجميع أن يهتدوا بهدى الإسلام وهو دين الرحمة، وأن يهديهم الله ليضعوا الإسلام فى مكانه العزيز بعيداً عن الاختلاف والفُرقة والإرهاب، وعن الدم والمطامح والمطامع». اسألوا أنفسكم بعد قراءة هذه الكلمات: هل يستحق فرج فودة الاغتيال؟ وأيضاً هل يستحق إسلام بحيرى مصادرة برنامجه تمهيداً لمصادرة وإزهاق روحه.