حديثى بمناسبة ما يدور فى اليمن ليس عن السياسة ولكنه عن الفن، استدعت ذاكرتى من أيام الطفولة فيلمين كان التليفزيون يعرضهما بإلحاح فى الستينات كان قد تم إنتاجهما خصيصاً عن اليمن لتمجيد التدخل المصرى العسكرى وقتها هناك، الفيلمان نادران لا يعرفهما الجيل الجديد ولا حتى الجيل المولود فى السبعينات. الفيلم الأول «ثورة اليمن» الذى كتبه صالح مرسى وأخرجه عاطف سالم والذى جسّد فيه العملاق صلاح منصور دور الإمام أحمد، ضم الفيلم كوكبة من نجوم التمثيل آنذاك مثل عماد حمدى وماجدة وحسن يوسف وصلاح قابيل، والفيلم الثانى هو «منتهى الفرح» الذى كتبه جليل البندارى وأخرجه مخرج المنوعات الشهير محمد سالم، وبالفعل كان هذا الفيلم فرح النجوم الـ«سفن ستارز»، فهو قد ضم تقريباً كريمة الكريمة من نجوم مصر، بداية من محمد عبدالوهاب، مروراً بفريد الأطرش وصباح وشادية وفايزة أحمد ومها صبرى ونجوى فؤاد وانتهاء بثلاثى أضواء المسرح. فيلم ثورة اليمن فيلم سطحى جداً ودعائى جداً وكاريكاتيرى جداً، يفتقر إلى أبجديات فن السينما، هو مجرد بروباجندا نمطية زاعقة عن شخص شهوانى دموى، تم رسم ملامحه بفجاجة حتى يقنعنا بمبررات التدخل المصرى هناك، أما فيلم منتهى الفرح فكأنه مجرد اسكتشات أو نمَر فى ملهى أو فقرات فرح من أفراح علية القوم، يحكى قصة ترتيب فرح كبير لمجند (حسن يوسف) عائد من اليمن، هذا الفرح يحييه من ذكرتهم من أساطين ونجوم الطرب، أوبن بوفيه فيه كل ما لذ وطاب من المغنيين والمغنيات!! هذا الفيلم أيضاً فيلم ردىء وممل وبارد، لماذا أذكر هذين الفيلمين الآن وما المناسبة؟ إننى أذكرهما للإجابة عن سؤال مهم لا بد أن ينتبه اليه أهل الفن، ما الذى يعيش؟ هل هو الفن أم الدعاية؟ هل نجاح العمل الفنى بالحشد أم بالإبداع؟ كيف يسقط عمل فيه كل هذه الأسماء وكل هؤلاء النجوم الذين يكفى اسم منهم لرفع الفيلم إلى عنان السماء؟! الإجابة والنصيحة والعبرة هى «اصنع فناً وركز على نقاط الإبداع بغض النظر عن أى شىء وثق بأن عملك سيُكتب له الخلود حتى لو قوبل ببرود جماهيرى أو رفض سلطوى الآن»، من الممكن أن تسلط عليك الأضواء لأنك تصنع دعاية ولأنك مقرب ومرضى عنك الآن، لكن حتماً سيسقط عملك ويموت فى غياهب النسيان ويدفن فى قبور اللامبالاة إذا لم تكن تضع الفن نصب عينيك، البروباجندا لا تصنع فناً ولا تخلد إبداعاً، السينما لا تعرف المظاهرات، والفن السابع يكره مقاول الأنفار الأيديولوجى الذى يرص أسماء على الأفيش ويحول شريط النيجاتيف إلى عربية عمال تراحيل. حفر العبقرى صلاح منصور، غول التمثيل، اسمه فى وجداننا بالعمدة فى الزوجة الثانية والأب الصعيدى فى البوسطجى بينما تبخر الإمام أحمد وتلاشى من الذاكرة والوجدان، نسينا أغنية عبدالوهاب لجنودنا فى اليمن رغم تذكرنا لأغنيته التى غناها للملك التى كان مجرد ترديد أبياتها يوردك المهالك ويلقى بك فى معتقلات صلاح نصر، ورغم ذلك خلدت وعاشت!! هناك فيلم يموت بمجرد ولادته، وهناك فيلم يظل شاباً فتياً ناضجاً مهما مرت السنون، ما الفرق وما السبب؟ إنه الفن هذا الساحر المراوغ صاحب رادار الإحساس الذى يكره الكذب مهما كان ملوناً ومزركشاً وزاعقاً.