بدأ شادى عبدالسلام حياته الفنية بتصميم بدلة رقص لتحية كاريوكا! كان يريد تنفس الفن وممارسته حتى ولو فى تصميم بدلة رقص، وخاصة لو ارتدتها أسطورة الرقص الشرقى تحية كاريوكا التى تعلقت بها القلوب راقصة وممثلة، وقرر شادى أن يستجيب لندّاهة الفن التى بداخله ويترك تصميم الملابس والديكور ليبدع كمخرج أو «كمخرج مؤلف» على وجه التحديد، وذلك لكى يكون الفيلم هو بصمة شادى الخاصة وفلسفته الذاتية، وكان «المومياء» تلك التحفة الفنية الفريدة التى اختارها الناقد جورج سادول كأحسن فيلم أجنبى على مستوى العالم سنة 1970 واختاره القدر لكى يكون شاهداً على قصة تعذيب الفنان الحقيقى وجلده بسياط الروتين الغبى حتى يصيبه اليأس أو يبيع نفسه لقاء البنكنوت، ولأن شادى حفيد الفراعنة، ورث عنهم الملامح والإرادة الجرانيتية لم يصبه اليأس، وكذلك لم يَبِعْ نفسه. «المومياء» أهم 103 دقائق فى تاريخ السينما المصرية كلها، استغرقت كتابته وتنفيذه ست سنوات من العمل المضنى والمتواصل، أعاد شادى عبدالسلام كتابة السيناريو أربع مرات حتى بدأ التصوير فى 22 مارس 1968 ولم يُعرض فى مصر إلا بعد خمس سنوات من تنفيذه فى 27 يناير 1975 بسينما رمسيس، وبعد أن شاهدته الدنيا وطاف العالم. وقد جابهت الفيلم المشكلات منذ ولادته، فقد طلب رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج السينمائى بمؤسسة السينما من مصطفى درويش، رئيس الرقابة حينذاك، أن يرفض الفيلم رقابياً بدعوى مهاجمته للقومية العربية، وذلك للتحايل على قرار ثروت عكاشة، وبعد فشل هذه المحاولة وتنفيذ الفيلم تم ركنه فى المخازن بدعوى أنه فيلم غير جماهيرى، وقد ساعد على ذلك أن الفيلم قد تم إنتاجه فى عصر ثروت عكاشة، وتصادف ميعاد العرض فى عصر عبدالقادر حاتم، وكانت بينهما خلافات أدت إلى أن يُحرم منه الجمهور المصرى الذى قصده شادى منذ البداية. والفيلم متأثر بقصة خبيئة الدير البحرى التى تحدّت الزمن واحتكرت معرفة مقبرتها ومومياواتها وكنوزها عائلة عبدالرسول التى شذ عنها محمد عبدالرسول الذى قرر أن يخبر الأفندية عن مكانها ويرشدهم إلى المقبرة، وقد تحول محمد إلى ونيس الذى جسده باقتدار أحمد مرعى والذى اختاره شادى بطلاً برغم أنه يفتقد مقاييس النجومية السائدة، ولكنه كان يقصد ذلك، لأنه يريد البطل بشراً عادياً وليس «سوبرمان»، والفيلم منفذ بدقة متناهية، ويكفى أن ندلل على ذلك بمشهد موكب التوابيت الذى أراده شادى واقعياً فى زمن لا توجد فيه كهرباء ولا يستطيع معه استخدام الإضاءة الصناعية، فماذا فعل شادى؟ اختار لحظة الغروب وكررها فى 28 لقطة أى 28 لحظة غروب لكى يصل إلى التأثير الواقعى لمشهد يُعد من أعذب مشاهد السينما المصرية بل والعالمية، وحصد الفيلم الجوائز فى فينيسيا وقرطاج ولندن وباريس، بينما وطنه الأم يجهله ويتجاهله منتظراً خمس سنوات حتى يعترف بأن شادى مخرج «كويس»!!! بعد «المومياء» ابتعد عن السينما الروائية الطويلة واتجه إلى السينما التسجيلية، وبدأ بأقدم قصة قصيرة فى العالم «شكاوى المصرى الفصيح» التى يقول فيها الفلاح لحاكمه: «انظر، لقد عينوك لتكون سداً فأصبحت البحر الذى يغرق فيه الناس»، وقد قال شادى عن هذا الفيلم: «المسألة ليست إحياء بردية لها قيمة رغم ضخامة تلك القيمة، لكنها بالفعل صرخة احتماء بالعدالة»، ثم فيلم «آفاق» 1972 الذى سجل فيه بعض أوجه نشاط وزارة الثقافة وكان يريد بهذا الفيلم أن يقول إن القاهرة ما زالت، وبرغم الهزيمة، تتنفس الفن والثقافة، وما زالت تقف على قدميها. ولذلك، وانطلاقاً من هذا المخزون الحضارى، من المؤكد أنها ستنتصر.