لا يمكن أن يؤرخ للفن التشكيلى فى مصر دون أن يُذكر اسم الفنان عبدالهادى الجزار على رأس القائمة، وبرغم أنه رحل شاباً فى الحادية والأربعين من عمره فإنه ترك بصمة خالدة بلوحاته التى اقتربت من البسطاء والمهمشين وخطوطه وألوانه التى استلهمت من صلابة وصرامة النحت المصرى وبهجته وتحديه شكلاً متميزاً لا تخطئه العين فى مصريته التى تنطقها كل لوحة من لوحاته. كان معجوناً بالفن فى كافة صوره، فقد كتب الشعر ومارس التصوير وترك كلية الطب من أجل عيون الفن، اعتُقل فى زمن الملك عندما رسم حفاة الأقدام مهلهلى الثياب وهم أمام فتات الطعام فاعتبرته الملكية محرضاً على الشيوعية، تخيلوا أن يهان هذا الفنان ومع سبق الإصرار والترصد داخل وزارة الثقافة التى من المفروض أن تكون حصنه وقلعته المنيعة، وصلتنى هذه الرسالة من بنت هذا الفنان العظيم د. ياسمين عبدالهادى الجزار، تبكى سطورها حزناً وتنفجر غضباً على تراث أبيها الذى لا يقدر بالملايين، تقول سطور الرسالة التى سأتركها كما هى بنفس اللغة واللهجة: بعد السلام عليكم.. أعلم أن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وأعلم ولله الحمد أنى، ودون فخر، إنسانة طيبة ووالدى رحمه الله كان من المتقين. لذلك وبعد طول شهور من الحزن أنا وأمى وإخوتى جعلك الله فى طريقى وأنا أتصفح الـfacebook ووجدتك تكتب كلمات تمدح بها والدى الفنان عبدالهادى الجزار وما تركه من فن عريق وأصيل تتعلم منه الأجيال المقبلة.. وحمدت الله أن طبيباً وإعلامياً مثلك يهتم بهذا الفن الراقى فى زمن اهتمت فيه الدولة فقط بالراقصين وغيرهم. فى خضم هذا ذهبنا أنا ووالدتى متعها الله بالصحة والعافية فى أكتوبر الماضى ومعنا مقدم من الرقابة الإدارية بأمر من النيابة لفتح مخزن الأعمال الفنية بمتحف الفن الحديث ولم نجد كالعادة أمين المخزن وأخذت تماطلنا المديرة فى فتحه وأن الأمين غير موجود وأنه ساكن فى المرج، وطبعاً المدام بتقولنا: إزاى تيجوا كده دون إخطار؟!!! طبعاً لولا هذا المقدم المحترم جزاه الله عنا كل خير، وبعد أن شخط فيهم كلهم وكلم الأمين وقال له: لو ماجتش فى ظرف ساعة حأحولك للتحقيق، وجاء الباشا وقعدنا نعد ونشوف صور والدى واللى كانت مهانة هى وباقى أعمال الفنانين ومرمية على الأرض بطريقة غير مقبولة نهائى. فن مصر وفنانوها وتراثها مكدس فى غاية الإهمال. طبعاً وجدنا صوراً كثيرة غير موجودة، لكن هم ليهم حيلهم فى الصادر والوارد، وأمى بتقسم إنهم كانوا أكتر من مائة لوحة أصبحوا بقدرة قادر 31 عملاً، والطامة الكبرى لم نجد لوحة السد العالى (إنسان السد)، وأخذت أمى فى البكاء، بل والانتحاب، وأخذنا نهدئها أنا وهذا الضابط المحترم واللى بعتهولنا ربنا ملاك من السما، وطبعاً فى النص كده كذا صورة متزورة ومحطوطة باسمه، غير اللى متبهدل ومتقطع، ده كده على الماشى. المهم المصيبة الكبيرة هى أن الصورة مقيدة إنها كانت فى الاتحاد الاشتراكى فى الستينات، ونقسم لهم إن إحنا شفناها متعلقة فى المتحف فى الدور الأول (وصورة حفر قناة السويس موجودة فى الدور الأرضى فى وش باب المتحف لحد وقتنا هذا). وكان الكلام ده فى ذكرى وفاته منذ 3 أعوام فى مارس 2012.. وشفناها كلنا أنا ووالدتى وإخوتى، لكن تقول لمين؟ المديرة والمسئولين بيقولوا لا يُعتد بالشهادة الشفوية، وهى أكيد اتحرقت فى الحزب الوطنى فى يناير 2011 (طبعاً قالوا للحرامى احلف قال جالك الفرج)، ولا أذن سمعتنا لوقتنا هذا، أما عن التزوير فكتّر خيرهم ردوا على أمى وقالوا اتعملت لجنة وبها كبار الفنانين واللوح سليمة!! هل يُعقل إن والدتى، التى هى فى الأصل زوجته وشريكته فى كل شىء وهى أصلاً فنانة وخريجة تربية فنية وسهرت الليالى الطويلة معه مشاركة له فى عرقه وإحساسه ونبض قلبه وهو يرسم ليُخرج لوطنه أجمل وأعرق اللوحات، تُتهم بأنها غير صادقة وأن اللوح سليمة وغير مزورة، آخر ما تقوله أمى: فوضت أمرى للذى لا يغفل ولا ينام.