لم أجد كلمة معبرة أكثر من هذه الكلمة العامية العبقرية التى تلخص المشهد المرتبك الذى نعيشه، «الطلسأة». لا نكمل شيئاً حتى آخره بكفاءة، ليست لدينا ثقافة الـ«perfection»، الكمال والإجادة والدقة، كلنا كذلك لا أستثنى أحداً، لذلك يجب أن نتواضع ونقول إننا كلنا كمجتمع، وليس المسئولين فقط، نحتاج إلى إعادة صياغة كشعب، وإعادة مواجهة لأنفسنا فى المرآة لنقول فى نفَس واحد: يا عزيزى كلما مطلسئون!! نحن لا نجيد سباق المسافات الطويلة، نقطة انطلاقنا من الممكن أن تكون جيدة ثم تأتى المفاجأة فى منتصف السباق، تظهر عيوب الصناعة المصرية والتربية المصرية والتعليم المصرى... إلخ، فى منتصف السباق يظهر «الكاللو» الذى يعوق العدو ويشل الجرى، ونفاجأ بأن الكوتشى مخروم والنفس مقطوع والأنيميا ساكنة فى التلافيف. لم نجهز نفسنا لا عضلياً ولا نفسياً لمثل هذه السباقات، قانون انتخابات يعانى من الطلسأة، «ليه لم نتروى ونتأنى ونصيغه صح ونعرضه على اللى حيحكموا بعدم دستوريته وناخد رأيهم»؟! ماتفهمش وماتعرفش ليه. ندخل فى حسبة برما ويزداد المشهد ارتباكاً، والإجابة إنها الطلسأة المصرية يا عزيزى، كل حاجة بنعملها بنعملها إلا خمسة، ناقصة حتة، اللمسة الأخيرة والتاتش النهائى على اللوحة مش موجود، وفجأة نجدها مسخاً مشوهاً، تأمين لملعب كرة قدم، عدد هائل من رجال الشرطة لكنها الطلسأة، قفص حديد وتوزيع عشوائى للتذاكر وعدم قراءة رشيدة للمشهد قبل حدوثه!! نية جيدة لإصلاح النظام الصحى والطبى ثم تأتى الطلسأة ليظهر قانون مستشفيات جامعية مسلوق ليس الهدف منه النهوض بالمستوى الصحى ولكنه الثأر والنفسنة والرغبة فى المريسة والتسلط على خلق الله بدون معرفة الغرض منه!! مشاريع كبارى وطرق... إلخ وأوامر بإنهائها فى نصف المدة، وهنا تبدأ الطلسأة، وبعد الانتهاء من المشروع تطفح المجارى على جانبى النفق ويقب ويتشقق بعد شهور قليلة أسفلت الطريق ويتصدع المبنى الذى لم ننته من طلائه، صناعة سيارات مصرية شعار رائع واستثمار محمود ومشجع، لكنها الطلسأة التى تجعل النسخة المصرية المسربعة المطلسئة للسيارة نسخة مضروبة، مسمار غير موجود فى مكانه، نسب غير مضبوطة تجعلها سهلة الانقلاب على الطريق... إلخ، دواء مصرى جينيريك أو تقليد للأجنبى، نطلسأ ونطنش التجارب عليه، بعد طرحه فى الأسواق لا تراقب المعامل، نسب الدواء بالبركة، يتطور الفيروس ويتحور وتحدث له طفرات لأن الجرعة المصرية مختلفة عن الأجنبية وتحدث الفضيحة كما حدثت مع عبدالعاطى الذى تسلل من خلال لافتة الإعجاز العلمى إلى اختراق العقل المصرى، وكنت أول من نبّه إلى ذلك، وصرخت وبُحّ صوتى، ولكن ثقافة الطلسأة تفوقت وانتصرت على ثقافة المنهج العلمى الذى هو فى منتهى التأنى والتأمل والصرامة، منهج كاره للطلسأة عاشق للتدقيق والتمحيص والتفنيد، تجد فرحة عارمة بإنشاء قنوات فضائية كانعكاس للحرية ورغبة فى إعلام ينير العقول، لكنها الطلسأة الملعونة، عبّى شرايط واجذب إعلانات على جثة أى شىء ولو كان عقل الوطن، ذيع عفاريت وتوائم بتتحول لقطط واتكلم عن الجن والعلاج ببول الإبل، واستضيف رقاصة تتكلم عن البرلمان، ورجل أعمال ودّانا فى داهية يغسل ذنوبه على الشاشة، وطبيبة شرعية تشوه مفهوم الثقافة الجنسية، وعطار يتكلم فى الطب، وإرهابى يعلمنا ديننا.. إلى آخر الزار الإعلامى الذى نعيش تفاصيله المخجلة هذه الأيام والتى تعكس مدى التدهور الثقافى الذى حدث بسبب من أسلمناهم مهمة تشكيل العقل المصرى. لو كانت الطلسأة رجلاً لقتلته.