لم أكن أتصور أن موقع قناة «العربية» على الإنترنت سيرضخ للهجوم الشرس الذى شن عليه بمجرد نقله مقالى «لماذا نكره الكلاب؟» من جريدة «الوطن» وتلقيه التعليقات المتربصة على صفحته، والتى اعتبرت المقال من قبيل الكفر والزندقة وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة.. إلى آخر هذه التعبيرات والأوصاف المفخخة التى تعودنا أن نطلقها فى وجه كل من يتساءل ويحاول أن يقدم وجهاً آخر غير وجه الثقافة الكارهة، التى يصدرها لنا المتطرفون الدواعش الذين يحملون قلماً ظاهراً وخنجراً مستتراً. تم شطب المقال، وهذا لا يهمنى فى شىء، ولكن ما يهمنى هو كيف صار الإرهاب الفكرى سكيناً على رقاب أصحاب الرأى مثله مثل السكين التى على رقبة أسير داعش، الأخيرة تذبح فرداً مظلوماً، والأولى تذبح فكراً ورأياً ورؤية من الممكن أن تكون بذرة تغيير، سكين داعش تفصل الرقبة عن الجسد، ولكن سكين الإرهاب الفكرى تفصل وتعزل مخ الوعى والإدراك والنقد والتغيير عن جسد المجتمع كله، عموماً سأترك الرد عليهم لرسالة د. يحيى طراف الذى علق على مقالى بقوله: قرأت مقالك «لماذا نكره الكلاب؟»، وتعجبت مثلك لقوم درسوا فى المدارس وسمعوا فى المساجد منذ نعومة أظافرهم حديث رسول الله صلى الله وسلم بشأن الرجل الذى دخل الجنة لأنه سقى كلباً عطشاناً، والمرأة التى دخلت النار فى هرة حبستها حتى ماتت، فلا هى أطعمتها، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض، ثم يجتمعون على قتل كلب بهذه الوحشية والسادية غير المسبوقتين، أفلا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟. كيف يتأتى لمجتمع أن يجمع بين هذا، وبين مظاهر التدين وقشوره المبالغ فيها، والإصرار فى دستوره على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع؟، فهل الشريعة الإسلامية هى التى أوحت إليهم بذلك؟ أولم يسمعوا كذلك قول الرسول الكريم «إن لكم فى كل ذى كبد رطبة أجراً»، أم هو انفصام الشخصية قد استولى على مجتمعنا؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله. أما بالنسبة لإهانة الكلب فى تراثنا فلست أرى لها سبباً فقهياً، لو أخذنا بصحيح العلم والفكر. فنجاسة الكلب كما ذكرت فى مقالك محل اختلاف كبير بين الفقهاء، ولم يخبر عن رسول الله أن ذكر ذلك صراحة، وحديث غسل الآنية التى ولغ فيها الكلب سبع مرات، إنما مبعثه ما قد يحمله من أمراض معدية وليست نجاسته. كما أن الآية الكريمة من سورة «الأعراف» التى قد تكون سبباً لإهانة الكلب «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث» ليست تعريضاً بالكلب، وإنما هى تصوير بلاغى لهؤلاء الذين أتتهم آيات الله فلم تغير حالهم، فهم كثبات الكلب على حال واحدة خلقه الله عليها، وهى اللهاث (النهجان المستمر) سواء حملت عليه فانتفض هارباً، أو تركته مسترخياً. والرأى عندى أن إهانة الكلب فى تراثنا الفقهى والشعرى والأدبى ولدى العامة، هو أن الكلب تابع لسيده لا يخالفه ولا يعصى له أمراً مهما كان. يلازمه كظله، وصفة التبعية المطلقة فى دنيا البشر لا تحمد، من هنا نال الكلب نصيباً وفيراً فى سب البشر بعضهم بعضاً، وفى الهجائيات، وصار الكلب عنواناً لمن لا رأى له إلا رأى سيده، لا يرى إلا ما يريه، ولا يتحدث إلا بصوته، ولا يصدع إلا بأمره، ولا يقدر أن يعصيه. لكن سيظل الكلب أوفى صديق للإنسان، ومضرب الأمثال فى الوفاء وحفظ العهد، مما لا تجد بين البشر، حتى مدح الشاعر العربى على بن الجهم، أمير المؤمنين الخليفة العباسى المتوكل قائلاً: أنت كالكلب فى حفاظك للود.. وكالتيس فى قراع الخطوب