ارتباك شديد فى الفضائيات، اضطراب إدارى وإنتاجى ومالى، كل القنوات الفضائية المصرية تعانى من مشاكل مالية رهيبة، مرتبات تتأخر بالثلاثة والأربعة شهور، نجوم «التوك شو» يلتهمون الميزانية بينما ينهار البناء التحتى للفضائيات من مصورين ومونتيرين ومخرجين وفنيين الذين يتسولون حقوقهم المهدرة وأحياناً لا يملكون أجرة التاكسى الذى يركبونه للعودة إلى بيوتهم أو الذهاب للقناة، لا تأمين صحى يغطيهم ولا قوى عاملة تحميهم، إغلاق لقنوات وضغط لميزانيات، استغناءات وخصومات وقرارات فصل ورفد ونفى وتشريد، حرب تكسير عظام مابين وكالات إعلانية على كعكة مهترئة بايتة وحمضانة، صفقات سرية لخطف مذيعى البرامج السياسية من أجل أن تضرب وكالة منافستها وتذل أنفاسها وتجرسها وتغيظها فى معركة أشبه بخناقات الحوارى وشجار العيال وردح العوالم، لا أحد يريد أن يفكر خارج الصندوق، لا أحد يريد أن يقتنع بأن هذه الفضائيات طفحت الناس سياسة فجعلتهم ينصرفون عنها بينما المجتمع لديه مشاكل أخرى غير متعلقة بالانتخابات والصناديق وأحكام الدستورية وملك قطر.. إلى آخر هذه القضايا السياسية المهمة بالطبع ولكنها ليست الأهم وليست الوحيدة فى حياتنا وليست الصنم المقدس الذى تقدم إليه القرابين منذ المغرب حتى طلوع الفجر كل يوم، هذه الفضائيات لم تفطن إلى أننا فى مجتمع ولسنا فى كلية سياسة واقتصاد، فى وطن له مشاكل اجتماعية وثقافية متعددة ومتباينة تؤثر فى النسيج الاجتماعى ولسنا فى حلقة دراسية أو سكشن فى هارفارد!! وطن له أطياف متعددة من قوس قزح وليس أبيض وأسود سياسياً فقط، أليست علاقة الرجل بالمرأة وكيفية التعامل والفهم وأمراض الخرس العاطفى والنظرة الدونية التى ينظر بها الرجل إلى المرأة.. إلخ.. أليست تلك قضايا مهمة لا تستحق تهميش الفضائيات، الكبت الجنسى والعنوسة والانفجار السكانى وعدم التحقق العاطفى والإنسانى، الإيمان بالخرافات والشخصيات القابلة للإيحاء الهستيرى التى باتت الأغلب الأعم فى تركيبتنا السكانية، انهيار الفن والذوق فى الملابس والسلوك والعمارة وسيادة القبح والألفة مع الدمامة، سيادة الأنانية والنرجسية وتمركز كل إنسان حول ذاته، حتى ولو كان مثقفاً وثرياً فتراه يهتم بما هو أمام شقته ولا يهمه حتى السلم أو المنور وبالطبع لا يهمه الشارع، لماذا الفشل فى العمل الجماعى بداية من مجلس إدارة العمارة حتى المؤسسات الكبرى مروراً بالنوادى؟ الانفجار السكانى وسباق الأرانب الذى يستهلك طاقة هذه الأمة المنكوبة بعاداتها الفكرية البالية.. إلخ. كل القضايا السابقة الاجتماعية والثقافية انصرفت عنها الفضائيات وركزت فى الثرثرة السياسية حتى اختنق المشاهد، وبعد ذلك يتساءل أصحاب تلك الفضائيات: ما الذى جعل الناس تنصرف عن شاشاتنا فأفلسنا؟! هم لا يعرفون أنهم أفلسوا مادياً حين أفلسوا فكرياً.