فى كل عام، وفى ذكرى ثورة يناير بالتحديد، نجد جميع من احتلوا الاستوديوهات، حتى عامل الديكور ومن يقدم المشروبات فى الاستوديو، صاروا بقدرة قادر زعماء للثورة!! ما إن تبدأ ماكينات الثرثرة الفضائية حتى تجد كلمة «أنا» تتصدر المشهد، وتليها قصص وحكايات أسطورية عن الزعيم الملهم الذى كان يحرك ميدان التحرير بإشارة من سبابته، أرسل د. يحيى طراف رسالة حول هذا المعنى يقول فيها: «وشعرت بيدٍ تجذبنى إلى أسفل»، بهذه العبارة برر كل رجال الدولة فى مذكراتهم أو أحاديثهم، ممن كانوا حول السادات يوم حادثة المنصة، انبطاحهم أرضاً عند بدء الهجوم، وكأنهم لولا هذه اليد الخفية التى غلبتهم جميعاً على أنفسهم لانتفضوا واقفين على أرجلهم يذودون عن رئيسهم خطر الموت الذى أحدق به. أنكروا جميعاً أنهم ألقوا بأنفسهم على الأرض نجاة بها من موت محقق رغم أنه لا حرج عليهم فى ذلك، خشيةً أن يضيع سمتهم بين الناس واحترامهم، فجاءوا على غير اتفاق برواية اليد التى جذبتهم. نفس الموقف يتكرر اليوم بصورة مختلفة بين رجال النخبة والإعلام والنشطاء وغيرهم، إذ لا يفوّت أحدهم الفرصة فى حديثه عن ثورة يناير، إلا ويضع نفسه فى صدارة الأحداث منها ورمانة ميزانها، وأنه كان أول من نزل الشارع يوم ٢٥ يناير على رأس المظاهرات هنا وهناك، وخطب الناس وأشعل حماسهم، وظل ملازماً للميدان حتى الرحيل. هذه الثورة التى اشتهرت وعُرفت بأنها لم يكن لها قائد ولا زعيم أصبح اليوم لها ألف قائد وألف زعيم، لهؤلاء الذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يصنعوا ويتصنعوا الزعامة والقيادة، حيث هم ليسوا بزعماء ولا قادة، أعيد على مسامعهم حديث الدكتور محمد أبوالغار للأهرام فى 23/4/2011 بالصفحة الخامسة، والذى قال فيه إن يوم ٢٥ يناير كان أكبر مفاجأه له فى حياته من حيث قدرة الشباب على التخطيط. فلما استوضحه المحرر عن طبيعة المفاجأة التى يقصدها قال «فى إدارة الموقف من جانب الشباب وفى نوعية التعليمات التى صدرت لى من الشباب». فسأله المحرر: وهل الدكتور محمد أبوالغار الأستاذ الجامعى والطبيب الشهير كانت تصدر له التعليمات من شباب الثورة؟ رد قائلاً: «نعم، فى هذا اليوم صدرت التعليمات لى وكانت من الشباب ونفذتها دون مناقشة، وقبل الثورة كنت أتلقى التعليمات». ويروى د. أبوالغار فى حديثه تفاصيل أيام الثورة وكيف أرسلته التعليمات يوم ٢٥ يناير الساعة ١٢ ظهراً إلى دار القضاء العالى ثم لاحقاً إلى مبنى دار الحكمة، ويوم ٢٦ يناير إلى نقابة الصحفيين، ثم مضى يحكى قصة يوم ٢٨ يناير ابتداء من صلاة الجمعة فى مسجد الاستقامة بميدان الجيزة وحتى سقوط النظام مما شهدناه جميعاً، كم من الكبار الذين برزوا اليوم فى الساحة ذكر ولو لمرة واحدة أنه كانت تأتيه التعليمات من شباب الثورة فينفذها؟ لقد أصبحوا اليوم جميعاً هم الزعماء الذين فجروا الثورة، بينما كانوا كلهم كأبى الغار تأتيهم التعليمات. لقد اتصف أبوالغار فى حديثه بالشفافية والأمانة والتواضع، فهو لم يكن يحتاج أن يزكى نفسه على الشعب أو ينسب لنفسه ما لم يصنع، كدأب هؤلاء الذين ادعوا اليوم الزعامة والفضل والسابقة، وما كانوا حقاً سوى واحد من فريقين، إلا قليلاً منهم، فريق تلقى التعليمات ونفذها، وفريق غنى أغنية عبدالحليم «وصحيت على ثورة».