اندهشت من قانون ازدراء الثورات الذى نوقش فى لقاء الرئيس بشباب الإعلاميين، واندهشت أكثر من أن تلك المناقشة بدأت تتحول من مجرد نية إلى مشروع قانون يجرم انتقاد ثورتى يناير ويونيو وكأنهما قد تحولتا إلى مقدسات لا تُمس وتابوهات لا تُخدش وأصنام تُقدم إليها القرابين. فى وطن تزداد فيه قوانين الازدراء لا يوجد مستقبل ولا يولد تقدم ولا تُصنع حضارة. الثورة نشاط بشرى وليست وحياً إلهياً أو نصاً ربانياً، الثائر النبيل أحمد عرابى تم انتقاده أو ازدراؤه من الزعيم مصطفى كامل الذى قال فى أحد مقالاته عنه: «ما عار الاحتلال‏، وما عار الجهالة والتأخر وعار الفقر بشىء يُذكر إذا قورن بالعار الذى يحمله عرابى ويقرأه الناس على وجهه أينما سار وأينما حل‏، ‏وأى عار أكبر من عار رجل تهوّر جباناً واندفع جاهلاً وساق أمته إلى الموت الأدبى والاستعباد الثقيل؟!‏»، ومن أمير الشعراء أحمد شوقى الذى هجاه قائلاً: «صغار فى الذهاب وفى الإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابى؟!»، لم يُسجن مصطفى كامل ولا شوقى بتهمة الازدراء وقتها، وهل انتقص من قدر طه حسين أنه هاجم الزعيم سعد زغلول قائد ثورة 1919 بقسوة فى صحيفة السياسة، وهل تم منعه من الكتابة بتهمة ازدراء الثورة وزعيمها؟! هل أسقط الجمهور توفيق الحكيم كمبدع عظيم ورائد جليل لفن المسرح عندما انتقد عبدالناصر فى مسرحية السلطان الحائر رمزاً ثم هاجمه صراحة فى «عودة الوعى» بالرغم من أن عبدالناصر اعترف بأن كتاب عودة الروح للحكيم هو الذى شكّل وجدانه الثورى؟! ما تقولون عنه ازدراء فى أدبياتكم كان يطلق على كل ما فعله الأنبياء والعلماء من قبَل أصحاب المصلحة فى الركود الذى يطلقون عليه من باب التزييف والتخدير «استقراراً»، ألم يكن كفار قريش يعتبرون ما يدعو إليه النبى محمد ازدراء لآلهتهم وعقائدهم؟ ألم تعتبر الكنيسة جاليليو كافراً وما يدعو إليه ازدراء للكتاب المقدس الذى يقول إن المسكونة لا تتزعزع وجاليليو يقول إن الأرض المسكونة تتحرك مما يُعد تجديفاً وهرطقة وازدراء؟! ألم يهاجم رجال الدين إدوارد جينر، مكتشف تطعيم الجدرى، واتهموه بأنه يعطل مشيئة الله بهذا التطعيم ويؤجل عقابه للبشر المخطئين؟ ألم يُقطع رأس الحسين جزاء لما اعتبرته السلطة الأموية وقتها ازدراء وزعزعة للحكم؟! ألم يقتل صلاح الدين الأيوبى السهروردى، وقطع «سفيان»، والى أبى جعفر المنصور، أعضاء ابن المقفع وشواها فى النار، وتم صلب الحلاج بتهمة الزندقة وازدراء الدين؟! ألم يتم مصادرة أموال وإعدام لافوازييه، أبوالكيمياء الحديثة، فى ميدان الكونكورد بعد أن اتُّهم بتهمة ازدراء الثورة الفرنسية؟ طارت رقبته، وبعد أن وقعت الواقعة وحدثت الكارثة قال الفرنسيون: «إن قطع رقبة لافوازييه لا يستغرق دقيقة واحدة، ولكن مائة سنة لا تكفى لتعوضنا عن واحد مثله»!! ألم يحاصر الحنابلة بيت الفقيه والمفسر العظيم الطبرى ورموه بالإلحاد وازدراء الإسلام حتى مات محاصراً وحيداً؟ وكذلك اتهموا عبقرى الطب الرازى بالإلحاد وضربوه بالكتب على رأسه حتى فقد بصره ومات معدماً!! ضربوا الفيلسوف الكندى وصادروا كتبه بأمر المتوكل بتهمة الازدراء وأحرقوا كتب ابن رشد بتهمة الازدراء وكفّروا الفارابى بتهمة الازدراء وجلدوا الشاعر بشار بن برد حتى الموت بأمر من الخليفة المهدى بنفس التهمة. رحم الله كل المزدرين المظلومين الذين أشاعوا النور فى حياتنا وحاكمتهم السلطة وسحلتهم وصلبتهم بتهمة الازدراء، نشكر الله أن أنعم على بعض العباقرة بنعمة ازدراء القديم الراكد المتخلف، ازدراؤهم كان شرارة التقدم.