إذا كان الإسلام قد كرّم المرأة فإننا، نحن المسلمين، قد ظلمناها، خاصة فى تلك المنطقة الشائكة التى يعتبرها الفقهاء منطقة محظورة، وهى منطقة حق الرجل الذى بلا حدود أو موانع فى جسد زوجته، وهو ما أعتبره مجافياً لمنطق الدين الإسلامى الذى أعلى من شأن الاختيار، وكرّم الجسد الإنسانى، وأوصى بالنساء خيراً. وليس من المعقول ولا من المنطقى أن يجبر الزوجة على فعل يحتاج كل هذا الكم من الأحاسيس والرغبة والقبول، يجبرها لمجرد إرضاء رغبات الزوج وإطفاء ظمئه حتى ولو على حساب سلامها النفسى، فلا يمكن أن يعتبر الإسلام الجنس مونولوجاً من طرف واحد، ولا يمكن أن يوافق على أن تكون العلاقة الجنسية اغتصاباً مقنناً بورقة. وبالرغم من عدم إجبار القرآن للزوجة على ممارسة الجنس مع زوجها رغماً عنها فإن الفقهاء قد اعتمدوا على عدة أحاديث فى ترسيخ هذا السلوك المونولوجى فى الجنس، هى: ■ رواية ابن عباس التى تقول: «أتت امرأة من خثعم إلى النبى فقالت إنى امرأة أيم، وأريد أن أتزوج فما حق الزوج؟»، وكان أول الحقوق الزوجية التى قيلت فى الحديث أن من حق الزوج على الزوجة «إذا أرادها فراودها عن نفسها وهى على ظهر بعير لا تمنعه». ■ «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح». وأنا لا أفهم أن يساند البعض ويروّج لهذه المفاهيم، فكيف يتم إرهاب الزوجة التى لا تساعدها ظروفها النفسية أو الجسدية على اللقاء الجنسى بأنها ملعونة وفى النار؟ إنه تثبيت لمفهوم الجنس الميكانيكى الخالى من المشاعر، فكيف مثلاً نجبر زوجة مكتئبة على الجنس، أو زوجة من الممكن أن يضرها الجماع جسدياً مثل فترات معينة من الحمل، أو عندما تكون المشيمة فى وضع قريب من عنق الرحم، أو ببساطة زوجة «ملهاش مزاج» كيف نجبرها على الجنس بالعافية؟! والغريب أننا نجد أن عدد من يتبنون المفاهيم المنطلقة من هذه الأحاديث أضعاف أضعاف من يتبنون المفاهيم الإيجابية الأخرى التى ذكرها القرآن والرسول، والتى سنذكرها فيما بعد، والتى تتناقض مع هذه الأحاديث السابقة. وكما قلنا وذكرنا من قبل أن هذا التناقض لن يُحل إلا بتجديد الخطاب الدينى الذى صار كل من ينادى به ليبرالياً علمانياً عميلاً لمنظمات الدفاع عن حقوق المرأة التى يديرها اليهود، يعتبرونه ببساطة خارجاً عن الدين فى نظر كهنة العصر الجديد، وهذا لن يحدث إلا بتنقية الأحاديث والبحث فى المتن بنفس الهمة والتدقيق والتمحيص الذى نفعله فى السند، وإحداث ثورة فى فهم الأحاديث النبوية التى حاول أن يحدثها دعاة ومفكرون قوبلوا للأسف بعاصفة من الرفض والاستنكار بل والتهديد بالقتل، لأنهم تجرأوا وأرادوا سحب بساط الكهانة منهم. وساهم فى ترسيخ هذه الصورة السلبية عن دور المرأة الجنسى بعض التفسيرات مثل التى قالها الطبرى، الذى نصح المؤمن بأن يوثق المرأة الرافضة فى فراشها، لأن آية «وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ» تعنى، حسب أحد تفسيراته «اربطوهن فى فراشهن»، لأن الهجر حسب تفسيره هو الحبل الذى كانت تربط به العرب الجمال، فللرجل الحق فى أن يجامع امرأته كما قال فى الجزء الرابع من تفسيره عندما يريد وكما يريد، شريطة أن يكون الجماع من الفرج. وما قيل أيضاً فى التأكيد على أن إشباع شهوة الرجل الجنسية هى فى المقدمة، فبالرغم من أن الفقهاء لم يحددوا سقفاً لتلبية رغبات الزوج، فهى فى أى وقت وفى أى مكان وتحت أى ظرف، فإنهم اختلفوا فى أمر الرجل ووجوب مجامعة زوجته، ويكفى أن نقرأ ابن قيم الجوزية فى كتابه «روضة المحبين» وهو يقول: «قالت طائفة: لا يجب على الزوج مجامعة زوجته فإنه حق له إن شاء استوفاه وإن شاء تركه، وقالت طائفة أخرى: يجب على الزوج وطؤها فى العمر مرة واحدة ليستقر لها الصداق!»، وبالطبع امتداد إطفاء نار الشهوة فى المرأة سيمتد من الدنيا إلى الآخرة، حيث رُوّجت فى نفس كتاب ابن القيم أحاديث تتحدث عن نكاح الرجال للنساء بشهوة لا تنقطع وبقوة مائة رجل، ويصل كل منهم فى اليوم الواحد إلى مائة عذراء، وعن رجوع المرأة بكراً بعد قيام الرجل عنها.. إلى آخر هذه الأقوال التى رسخت مفهوم وظيفة المرأة كمنظم وصمام أمان لتوترات وشهوات الرجل الجنسية، وقد ثار على مثل هذه المفاهيم بعض المفكرين الإسلاميين المستنيرين.. (نتابع غداً).