بعد التخرج فى كلية الطب تكتشف أن أجمل ما درسته فى الكلية هو ما يطلق عليه العلوم الأساسية أو الأكاديمية مثل الفسيولوجى والكيمياء الحيوية والبكتريولوجى، وأنك نظراً لطريقة الدراسة فى الكلية لم تستمتع حقيقةً بمثل هذه العلوم لأنك توهمت أو أوهموك بأن هذه العلوم هى مجرد درجة سلم ستركله بعيداً بعد أن تصل إلى القمة وهى الباطنة والجراحة... إلخ، تتخيل أن هذه العلوم مجرد تفاهات تتعامل معها بخفة واستهتار لأن «التقيل جاى ورا فى آخر سنتين»، ثم تصدمك المفاجأة بأن المعادلة الأمريكية مثلاً تتعامل مع هذه العلوم على أن لها الأولوية وأنها لا بد أن تكون بديهيات مزروعة فى الأذهان الطبية، وتصدم أكثر عندما ترى جوائز نوبل فى الطب تذهب كل عام إلى عالم فسيولوجى أو كيمياء حيوية أو وراثة أو تشريح أو باثولوجى أو بكتيريولوجى أو فارماكولوجى... إلخ، ثم يبرز السؤال الذى ينم عن ثقافة طبية متدنية تتعامل مع الطب على أنه «سوق التلات»، ليه الأطباء الحقيقيين مابيكسبوش نوبل؟!، وكأن أستاذ الفسيولوجى «سواق توك توك» وأستاذ الفارما «منادى سيارات»!! أعظم جرّاح قلب فى أمريكا أو أعظم جراح عيون فى إسبانيا أو عظام فى ألمانيا لم ولن يحصل على نوبل وذلك لسبب بسيط أن هؤلاء ينفذون ابتكارات واكتشافات ومنح وهدايا واختراعات الباحثين فى العلوم الأساسية التى هى الأساس والأعمدة التى يُبنى عليها الطب الحديث، التعامل المصرى مع أستاذ الفسيولوجى والكيمياء الحيوية والتشريح والوراثة... إلخ على أنهم درجة ثانية أو كومبارس أو إستبن أو طبيب لم يحالفه الحظ فى التعيين فى الوظائف المبهرة التى يبجلها المجتمع كجراح عيون أو قلب أو مخ وأعصاب، إذا ظل هذا التعامل سارياً وسائداً فلن يتقدم الطب على الإطلاق، ولنأخذ مرضى فيروس «سى» على سبيل المثال، فكل التقدم الذى حدث فى مجال الأدوية الجديدة والثورة التى فجرتها سلسلة مضادات الفيروس التى وصل نجاحها إلى ما يقارب المائة فى المائة هو نتاج جهود علماء البكتريولوجى والفيروسات والفارماكولوجى أو ما نطلق عليه «الأقربازين» وليست نتاج أطباء الكبد فقط الذين يتابعون النتائج ويقررون مدى دقتها وصحتها فقط، لكن المعامل هى التربة الخصبة لتلك الأبحاث، كانت تلك المعامل الأمريكية والأوروبية مهتمة بنوعياتها الفيروسية الكبدية التى ليس فيها النوع الرابع المصرى، وهذا حقها، ونحن ظللنا منتظرين نضع اليد فوق الخد انتظاراً للمن والسلوى من تلك المعامل التى ظللنا ندعو أن تهتم بنا ربع اهتمامها بالإيدز، إلى أن جاء الوقت وبدأ الاهتمام بالنوع الجينى الرابع الذى يصيب ويفترس أكبادنا المنهكة.. لماذا كان هذا الانتظار؟ الإجابة لأننا نتعامل مع علماء الفيرولوجى virology أو الفيروسات والبكتيريا عندنا على أنهم موظفو أرشيف عليهم انتظار الدرجة المالية والإشراف على رسائل منقولة لا جديد فيها ضماناً للترقى ودائماً هم الرقم الأخير فى طابور الاهتمام بعد ذوى الدم الأزرق من الأطباء اللى بجد كما نطلق عليهم، ويظل أستاذ الفسيولوجى والهستولوجى يحلم بتحضير رسالة فى أمراض الأطفال والباطنة من أجل لقمة العيش وفتح العيادة والوجاهة الاجتماعية وطظ فى العلم وبلاها فسيولوجى وأى حاجة آخرها «أولوجى»! لا تندهش إذا حصل عالم حدد الخلية المخية التى تحدد المكان والشبيهة بالـ«جى بى إس» على جائزة نوبل ولا يحصل عليها أكبر جراح مخ فى العالم، فالثانى يعيش عالة على إبداعات الأول، ومن حق الأول أن يقول للثانى كما قال الخديو توفيق لعرابى «أنتم عبيد إحساناتنا».