كنت دائماً وما زلت مؤمناً بضرورة زيادة عدد البعثات العلمية من الجامعات والمعاهد البحثية المصرية إلى أوروبا وأمريكا لأن هذا يعتبر باب أمل ونافذة تجديد للعقل المصرى لإنقاذه من كبوته ولعلاجه من الأمراض الفكرية التى أصابته والفيروسات الرجعية التى سكنت خلاياه وشلت قدرته على الإبداع، فقد بدأ عصر التنوير باحتكاك مفكرينا منذ رفاعة الطهطاوى وطه حسين وأحمد لطفى السيد وسلامة موسى بباريس ولندن وغيرها من المدن الأوروبية ونقلهم لبذور اللقاح الثقافية التنويرية من أوروبا بعد الثورة الفرنسية التى زرعها أمثال فولتير وروسو فى تربة حقل وعقل المجتمع الأوروبى آنذاك، توقف هذا الاحتكاك الثقافى وقل تأثيره جداً منذ الثمانينات والتسعينات وحتى الآن ولم تعد الجامعات ترسل طلاباً لاستكمال دراساتهم وأبحاثهم فى الخارج إلا فيما ندر وبشبكة علاقات شخصية من المبعوث نفسه وبفلوس لا تكفى حد الكفاف. نبهنى بعض المصريين الذين يعيشون فى النمسا إلى أن البعثات برغم أهميتها لم تعد تفيد فى هذا التغيير الثقافى الذى كنا نراه فى زمن جامعة طه حسين، السبب أدهشنى ولم أكن أتصور أنه بهذه السيطرة على عقول المبعوثين الذين من المفروض أنهم النخبة والقدوة والكِريمة وبوصلة التغيير، قالوا لى إن المبعوث فى النمسا على سبيل المثال عندما تطأ قدماه أرض فيينا يسأل أول سؤال قبل السؤال عن مكان السكن والجامعة أين الجالية الإسلامية أو أين الجالية القبطية؟!