دروس نجيب محفوظ لا تنتهى، هذا العملاق الروائى والشخص المتواضع والمصرى جداً الذى لم يخرج من مصر إلا نادراً ونسج موهبته على مهل وبهدوء ودون ضجيج، ابن نكته وصاحب قافيه، وجدان صوفى وفى الوقت نفسه محب لمباهج الحياة، منظم جداً وفى الوقت نفسه يكسر هذا النظام الصارم بالتدخين وهو مريض سكر، المدهش أنه بعد الاعتداء عليه وعدم مقدرته على الكتابة قهر هذا الشلل بصياغة أحلام فترة النقاهة التى كنت أشاهدها فى رسائله إلى الكاتبة الكبيرة سناء البيسى بخط مرتعش كانت تفك شفرته بصعوبة بالغة، كان محباً للحياة، حول الاكتئاب الذى داهمه فى فترة ما بعد الاعتداء إلى إبداع، لم يكن متوجساً من البشر وهذا ما جعل المجرم الذى طعنه فى رقبته يصل إليه بسهولة فقد باغته عندما مد محفوظ يده بالسلام والتحية إلى جاهل لم يقرأ له سطراً واحداً، من أهم دروس نجيب محفوظ السلام النفسى الذى كان يتعامل به مع الناشر أو المخرج أو المنتج فقد كان خالياً مما يسمى بلغة رجل الشارع النفسنة، المدهش أن جلسته اليومية على أوراقه التى كانت تتم بمنتهى الدقة كانت وكأنها تستحضر وحى الكتابة على عكس ما تعودنا عليه فى الكلام عن الإبداع كنفحة وهجمة مباغتة ووحى بلا ميعاد، كان الجميع يرى أن عدم إعلان نجيب محفوظ عن مواقفه السياسية هو جبن وتخاذل وخوف وكنت أرى أن موقفه ظاهر وواضح من خلال رواياته، أهم دروس نجيب محفوظ لشباب الأدباء هو أن تكون بخيلاً فى كتابة المقالات الصحفية فهى استنزاف للمبدع وحرق لمخزونه الفكرى الذى من الممكن أن يكون وقوداً لرواية جديدة أو جنين فكرة قصة بديعة تضاف إلى هرم إبداع محفوظ. نجيب محفوظ قصة مصرية رائعة بعمق مصر ورائحة مصر وتاريخها، قصة لن تنتهى وستستمر فصولها رسالة ودرساً متجدداً وشاهداً على أن هذا الوطن قادر على الإبداع.