حياة نجيب محفوظ الممتدة والثرية لا بد أن ندرسها، ليس من الناحية الفنية والروائية فقط، لكن لا بد أن ندرسها من الناحية الإنسانية، ومن زاوية تحليل مجتمع من خلال تحليل حياة أهم روائيِّيه ونستخلص الدروس والعبر. أول هذه الدروس أن الفضل الأول فى اكتشاف نجيب محفوظ المسلم وتشجيعه يرجع للمفكر الاشتراكى المسيحى الجرىء سلامة موسى. جمعهما حب الفلسفة وحب مصر، نشر أول مقالاته الفلسفية ومحاولاته الروائية الجنينية فى مجلة سلامة موسى التى لها أياد بيضاء على كثير من المفكرين المصريين. أول من كتب مقالاً نقدياً عن نجيب محفوظ الروائى كان سيد قطب الذى كان ناقداً متفتحاً آنذاك، صاحب أسلوب ورؤية ولكن القدر اختار له أن يتحول بعد عودته من أمريكا لفيلسوف ومنظر الإرهاب الذى تسرب إلى عقول ونخاع الكثيرين ليصل إلى أتباعه ومريديه وتتحول كلماته إلى مطواة فى يد أحد الجهلاء الذى يذهب ليذبح بها نجيب محفوظ نفسه. يمثل نجيب محفوظ روح الدولة المدنية وصراع هذه الروح للفكاك والإفلات من يد الدولة الدينية التى تخنقها. أحياناً كان ينتهى هذا الصراع بغلبة قيم الدولة المدنية، وغالباً ما كان ينتهى بانتصار كهنة الدولة الدينية. أشهر صور هذا الصراع معركة أولاد حارتنا التى انتصر فيها الغزالى على محفوظ. السينما هى النافذة التى أطل منها نجيب محفوظ على الجمهور وتعرف عليه الجمهور من خلالها، طريقة تعامل نجيب محفوظ مع السينما قصة يجب أن تُدرس، لم يتعال محفوظ على هذا الوسيط الفنى، بل دخل تلميذاً فى مدرسة صلاح أبوسيف، وكتب سيناريوهات مباشرة للسينما، واعترف بحرية المخرج فى تناول قصته من زاويته الإبداعية السينمائية الخاصة. الإبداع ليس فوضى وهلاوس سمعية وبصرية تفرض نفسها على المبدع ليتركها تمرح بعشوائية على الورق. علّمنا نجيب محفوظ أن تروض موهبتك وتُخضعها لنظام صارم لكى تستطيع أن تنتج فناً متألقاً ومستمراً طيلة هذا الوقت وعلى مدار هذا الزمن الذى اقترب من القرن. أطلق عليه صديقه محمد عفيفى لقب رجل الساعة، ولم يمنعه هذا اللقب من أن يكون روائى القرن.