لا يمكن أن تمر ذكرى سعد زغلول دون أن نقارن بين جهاد سعد، الذى جعل له عيداً، وجهاد الإخوان وأنصار بيت المقدس وداعش الذى جعلوه سرادق عزاء بحجم الوطن العربى، كتبت وصرخت يوم أن احتفل مرسى ورفاقه بعيد الجهاد فى الاستاد الذى تمت فيه الدعوة الصريحة لذبح الشيعة، والذى نفذه أتباعهم بعدها بقلب بارد وبمنتهى الهمجية، لا يمكن أن يكون عيد جهادنا الذى نستيقظ فيه على نداءات الجهاديين الهستيرية المحرضة على هدم أبى الهول والأهرامات، وصرخاتهم الشبقة المطالبة بزواج الأطفال ووأد المرأة، نحن عندما نطلق لفظ الجهاديين على إرهابيين تكفيريين، فنحن نزيّن ونجمّل الكوارث والمصائب، كعادتنا، بألفاظ براقة مخففة مزيفة، هناك فرق بين الجهاد والإرهاب، جهادهم -سعد زغلول ورفاقه- كان لاستقلال الوطن، جهاد الإخوان والداعشيين لذوبان الوطن فى أممية تنظيم القاعدة الذى فيه الأفغانى الطالبانى الإرهابى أقرب إليهم من المسيحى المصرى أو حتى المسلم الليبرالى، جهاد سعد ورفاقه كان لاسترداد الوطن من براثن الإنجليز، وجهاد بديع ورفاقه الأشاوس كان لبيع الوطن والبداية سيناء عبر سماسرة الجهاد لتسليم البلد والشعب إلى أصحاب الرايات السود من تلاميذ بن لادن، هذا هو الفرق بين جهاد سعد وجهاد بديع، والفرق شاسع ومرعب ومحزن. كُلُّ مِصْرِىِّ يُنَادِى ** أَنَـا مِلْكٌ لِبِلادِى قَلْبى يَمِينى لِسَانِى ** رُوحِى فِدَى أَوْطَانِى كَانَ الجِهَادُ أَمَانِى ** وَاليَوْمُ يَوْمُ الجِهَـاد ***** كَمْ تَبَاهَيْنَا بِمَجْدِ الأَوَّلِين ** فَتَعَالىَ قَدْرُنَا فى العَالَمِين لِمَ لا نَبْنى بِأَيْدِينَا العُلا ** لِمَ لا نُصْبِحُ فَخْرَ الأَقْدَمِين كلمات تهز الوجدان كتبها مأمون الشناوى وغناها عبدالوهاب، كنا فى الماضى نغنيها ونطرب لها وندمع ونحن نرددها جماعة فى صوت واحد، كلمات نشيد الجهاد، هل أصبحت أجمل لحظاتنا هى لحظات اجترار الماضى؟ هل صرنا مثل عواجيز دور المسنين فى ليالى السمر المثقلة بالشجن نغمس أرواحنا المهمومة المنكسرة فى بقايا عطر الذكريات البخيلة؟! دعنا نتذكر، ربما تصدمنا الذكريات صدمة كهربائية لنفيق من الشيزوفرينيا التى عششت فى نخاع نخاعنا. ‏13 نوفمبر 1918، ‏حينما‏ ‏ذهب‏ ‏الزعيم‏ ‏سعد‏ ‏زغلول‏ ‏ورفاقه‏ ‏إلى‏ ‏المعتمد‏ ‏البريطانى السير‏ ‏وينجت، ‏‏مطالبين بالاستقلال والحرية، كان وقتها يوجد وطن اسمه مصر، ويوجد رجال وطنيون زعماء بجد يعرفون قيمتها، وبرغم النفى إلى مالطة وسيشل ظل هذا الرجل مؤمناً بأن مصر للمصريين، لكل المصريين، وعندما شكل حكومته كان فيها المسلم والمسيحى واليهودى تحت مظلة مصر، ولم نكن نتساءل ما ديانة هذا الوزير؟ لم يكن المجتمع قد اتخذ التكفير منهجاً بعد، ولم يكن قد طلب الحرية والاستقلال من الكاب الإنجليزى ليرتمى فى حضن العقال القطرى فى زمن مرسى الكئيب! آخر احتفال بعيد الجهاد حضره سعد زغلول كان منهكاً من المرض ولم يصل إلى المنصة إلا بعد جهد ومشقة، وبعد أن انتهى التصفيق الحاد، قال ببلاغته المعهودة: «يعز‏ ‏علىَّ‏ ‏أن‏ ‏أرى‏ ‏منبر‏ ‏الخطابة‏ ‏منصوباً‏ ‏ولا‏ ‏أستطيع‏ ‏له‏ ‏رقياً‏، ‏وأن‏ ‏أجد‏ ‏مجال‏ ‏القول‏ ‏واسعا‏ً ‏ولا‏ ‏أملك‏ ‏لسانا‏ً ‏قوياً‏، ‏وأن‏ ‏أشهد‏ ‏سامعين‏ ‏منصتين‏ ‏ولا‏ ‏أجد‏ ‏لى‏ ‏صوتاً‏ ‏فتياً‏».‏ رحم الله سعد زغلول وجهاده الحقيقى الذى كان من أجل الاستقلال والحداثة والدولة المدنية، رحم الله الرجل الذى قال فى رثائه الأخطل الصغير: قَالوا دَهَتْ مِصرَ دَهياءٌ فقلتُ لهُمْ ** هلْ غِيضَ النِّيلُ أَمْ زُلْزِلَ الهَرمُ قالوا أَشَدّ وأدْهَى قلتُ وَيْحَكُم ** إذَنْ لقدْ ماتَ سعدٌ وانطوى العَلَمُ وقال شاعر النيل حافظ إبراهيم: خَرَجَت أُمَّةٌ تُـشَـيِّعُ نَعشاً ** قَد حَوى أُمَّةً وَبَـحـراً عُـبـابا حَـمَـلوهُ عَـلى الـمَدافِعِ لَـمَّـا ** أَعجَزَ الـهامَ حَملُهُ وَالرِقابا رحم الله سعد ورحم الله الجهاد.