نصحت ابنى بمشاهدة فيلم «باتش آدمز» قبل الالتحاق بكلية الطب، وأنصح كل طالب فى كلية الطب وكل طبيب، حتى لو كان قد خرج على المعاش، بأن يشاهد هذا الفيلم الرائع، فقد شاهدته للمرة الثالثة حتى أستمتع بعبقرية روبن ويليامز التى لا أشبع ولا أرتوى منها، فيلم جميل وعبقرى، مفتاحه ثلاث جمل وموقف، الأولى: «لابد أن نعالج المريض قبل المرض»، والثانية: «الطب لا بد أن يكون دوره تحسين الحياة وليس تأجيل النهاية»، والثالثة: «أخطر الأمراض هو مرض اللامبالاة»، أما الموقف فهو عندما كان يشرح الأستاذ فى السكشن على مريضة سكر مصابة فى الأوعية الدموية للأطراف ويسهب فى الشرح ويؤكد أن هناك احتمال بتر، لم يلمح، ولو للحظة، توترها ورعبها، قاطعه الطالب باتش آدمز قائلاً قرب نهاية السكشن: هى المريضة اسمها إيه؟! هنتر آدمز، وهو الاسم الأصلى لبطل الفيلم، شاب حاول الانتحار ودخل مصحة نفسية. المدهش أن من عالجه هم المرضى وليس الأطباء، فالطبيب كان يأخذ تاريخ المريض دون أن يطل فى وجهه لثوان، أما المرضى فقد وجد سعادته فى مساعدتهم، وهنا أدرك هدفه، الالتحاق بكلية الطب لكى يساعد الناس ويستعيد إنسانيته. بدأ الصدام بينه وبين نظام الكلية الصارم الذى يتعامل مع المرضى كماكينات تحتاج صيانة، الطبيب تحول إلى ميكانيكى ممنوع عليه مقابلة المرضى إلا بعد السنة الثالثة فى الكلية، لم يقتنع آدمز بهذا النظام، تمرد عليه وعقد علاقة صداقة مع مرضاه لدرجة أنه أدى دور مهرج لإسعاد الأطفال، فصله عميد الكلية لأنه «بوّظ» البرستيج الطبى ولم يضع الجدار العازل بينه وبين المرضى!! التواصل مع المرضى كان قضية طالب الطب آدمز، قرر أن يعالج مرضاه ببث السعادة واستعادة الذات بحقيقتها وصدقها الغائب الذى شوّهه ماكياج التواؤم مع المجتمع وتقاليده الصارمة، عاد إلى كلية الطب بعد محاكمته من الأطباء التقليديين، نجح فى إقناع الطلبة وتكوين رأى عام ضاغط، نجح فى أن يمس إنسانية المهنة ويقدم معناها الحقيقى فى شريط سينمائى مزيج من الشجن والابتسامة، الصدفة العجيبة والغريبة أن قصة الفيلم بدأت بمحاولة انتحار فاشلة لروبن ويليامز الذى نجح فى الانتحار بعيداً عن الشاشة بشنق نفسه بحزام بعد أن فشل فى قطع شرايينه بالسكين حسب رواية البوليس الأمريكى. فى الفيلم نجح فى التغلب على اكتئابه، لكنه فى الواقع لم يستطع الانتصار واستسلم لطائر الاكتئاب الجارح وانتحر.