مات الممثل الفيلسوف صانع البهجة روبين ويليامز، ودعنا منتحراً ليقول كفى ويضع نقطة فى نهاية سطر حياته التى أسعد فيها الملايين حول العالم، ولكنه أخفق فى تصنيع سعادة سابقة التجهيز تجعله متحملاً لتناقضات هذه الحياة وعبثيتها أحياناً، كان اسمه علامة جودة على أى فيلم حتى ولو كان دوراً مساعداً، كان بالنسبة لى شخصياً قرص دواء سينمائى ومعزوفة بهجة إبداعية وغلاف كتاب فلسفة متألق بألوان ملابس المهرجين الحارقة المجنونة!، لم أندهش لخبر انتحاره مثلما اندهش الكثيرون، فالكوميديان هو المكتئب الأعظم والساخر هو الحزين المزمن! خاسر من يراهن على أن جلسته مع مبدع ساخر هى جلسة فرفشة، فلريح نفسه فسيخسر الرهان حتماً، الكوميديا تقوم على التناقض، والكوميدى الساخر تزداد سخونة إيقاعه عندما يلتقط رادار إبداعه هذه التناقضات ويختزنها ويعجنها فى روحه وأعصابه وكيانه لينتج لنا الكوميديا، من السهل جداً أن يتسلل الاكتئاب كاللص المحترف خفيف اليد إلى قلب وعقل الفنان الكوميدى الحقيقى الصادق الذى يعانى من أجل فنه، تفاصيل الحياة التى تجتمع كالبازل فى عقل ووجدان الساخر والتى يراها من زاويته الخاصة وكاميرته الحساسة تفاصيل مضحكة من فرط عبثيتها وتناقضها، يراها العاديون تفاصيل عادية يتآلفون معها ويعتادونها لكنه فقط هو الذى يظل على مسافة محايدة غير قادر على التآلف والانسجام، فالتناقض هو وقود إبداعه، البشر يقولون له هذا معقول ويظل هو الوحيد المبتسم فى صمت مؤمن بأنه اللامعقول المدهش الجنونى الخارج من إطار المفروض والواجب والتقليدى، لا يمكن أن أنسى شخصياً دور الطبيب الذى أداه «ويليامز» فى «باتش آدامز وويل هنتنج»، ما زال «آدامز» الذى مارس الطب كصديق للمرضى وليس كموظف متعالٍ عليهم، الطبيب الذى توصل إلى حقيقة أن المرض جوع إلى التواصل وعطش إلى السعادة، رضى بأن يقال عنه مهرجاً بهلواناً، تحمل نظرات السخرية من رؤسائه الذين خافوا على وقارهم وهيبتهم وبرستيجهم، كان غرضه هو التواصل مع الإنسان القابع فى وجدان مرضاه، أرى «آدامز» يعبر خير تعبير عن روبين ويليامز الإنسان. كم أحببت هذا الفنان وكم أفتقد من هم على نفس موجة إبداعه وإنسانيته وجنونه.