يحكى د. قدرى حفنى، أستاذ علم النفس الشهير، حكاية لها دلالة ويجب تأملها جيداً، يحكى أنه عندما كان طالباً رفع يده ليسأل د. يوسف مراد، وهو قامة عملاقة من قامات كلية الآداب التى لن تعوض، السؤال كان بسيطاً من طالب ذكى شغوف ما زال يخطو خطواته الأولى فى الكلية، لكن رد الفعل كان مدهشاً من هذا الأستاذ الكبير، فكر د. مراد قليلاً وأمسك بالقلم وكتب السؤال وكتب اسم الطالب أمامه ثم قال دعنى أفكر وسأجيبك فى المحاضرة المقبلة!! وبالفعل أجاب الأستاذ العظيم عن سؤال تلميذه النجيب ولم يخجل من تهمة التفكير ملياً، لم يخجل من أن يصفه تلاميذه بالجهل وعدم المعرفة، لم يخجل أن تخدش صورته، رفض منحهم الإجابة الجاهزة، الإجابة الدليفرى، الإجابة سابقة التجهيز، كم من الأساتذة والمعلمين يفعل ذلك ويقلد يوسف مراد ويرسل رسالة لتلاميذه بأن التفكير ليس وجبة جاهزة سريعة تقدم فى مطعم الجامعة وما على الطالب إلا أن يلتهمها بالمقبلات والكاتشب، التفكير جهد ونقد وتأنٍ وإيجابية وتقليب الرأى على جميع أوجهه وتفاعل مع كافة وجهات النظر، لم يقتل التفكير فى الجامعة إلا المذكرة والتلخيص والدرس الخصوصى والتلقين والتحفيظ الذى حول الجامعات إلى كتاتيب وجعل من أستاذ الجامعة سيدنا فى أيام طه حسين، يضرب بالفلكة التلقينية ويهدد بالسقوط فى الامتحان، وليذهب الفكر النقدى إلى الجحيم، ما فعله د. يوسف مراد درس بليغ لكل من يثرثر فى التليفزيونات ويطلق الإجابات الجاهزة كالرشاش من فمه، لكل طبيب يقفز إلى التشخيص دون تأمل وتروٍ وتدقيق، لكل مهندس يثق ثقة عمياء فى نسب الخلطة ومقاييس البناء التى يضعها دون الرجوع للعلم، والاعتماد فقط على خبرة السوق، إلى خبير الأعشاب الذى يفتى فى كل شىء وفى كل التخصصات وكذلك دعاة هذا الزمان الذين يحرّمون أى سلوك ويتدخلون فى كل تصرف بداية من دخول دورة المياه حتى العلاقة الحميمة.. إلخ. اللعنة على الإجابات الجاهزة الدليفرى المسلوقة فى ميكرويف الأوصياء على حياتنا، ولتحيا كل إجابة تحفزنا على مزيد من الأسئلة وتستفزنا بعلامات استفهام أكثر وقلق أكثر وارتياد أحراش فكرية مجهولة أكثر وأكثر.