الحيرة صفة إنسانية، والبحث عن إجابة الأسئلة المعلقة غريزة يكبتها نظام التعليم وتقمعها تربية الأسرة وتقصقص أجنحتها تقاليد وأعراف اجتماعية كى لا تتعدى الأسوار. والكتاب الذى وصلنى من الكاتبة الكويتية «نزيهة الدخان» محاولة مشروعة للتحليق بحرية، ورصد وكشف المسكوت عنه فى ثقافتنا الدينية، الكتاب اسمه «فاتبعوه»، حاولت المؤلفة كمهندسة بعقلها الرياضى المنضبط المنظم لخطواته، القلق دوماً، المتمرد بحساب، أن ترسم الصراط المستقيم الذى بحثت عن معناه عند دعاة هذه الأيام ولم تجده. الكتاب يستحق القراءة، مهما اختلفت حوله فلابد أن تحترم جهد كاتبته التى تكتب فى ظروف صعبة ومناخ إقصائى للمرأة خاصة الخليجية، الكتاب ليس نقطة فى نهاية السطر، ولكنه بداية مشروع من الممكن أن يحرك مياهاً راكدة خاصة فى بلد خليجى للإخوان سطوة فكرية كبيرة على عقول شبابه. تتساءل الكاتبة فى البداية: هل نحن مسلمون حقاً؟ وتتشكك قائلة: «عقائدنا تدخل فى عمق وجداننا من بوابة الإرث، تؤطر حياتنا، نورثها لأبنائنا، اختلاف عقائدنا جعلنا منقسمين متناحرين متخلفين، كلنا يظن أنه على الحق وما عداه فى ضلال مبين، نتربص ببعضنا ونتصيد الزلات، أضحت أمتنا كالعجوز المثقلة بأمراض عصرها، حتى أصيبت بمرض الذئبة الحمراء، خلاياها تأكل بعضها»!! تشبيه دقيق وصادم من نزيهة الدخان، ولكنها صدمة جلسات تنظيم إيقاع المخ التى تجرى للعقول التى أصيبت بالشيزوفرينيا، أما السبب فتلخصه الكاتبة قائلة: «إن عقيدتنا قد طالتها شوائب من التاريخ المتخم بالصراعات والملطخ بالدماء، فهل سنورث أبناءنا العقيدة الصافية أم التاريخ؟»، فوجئت الكاتبة وهى تسأل عن سر تخلفنا واعتمادنا على الغرب الذى نلعنه ليل نهار ولا نستطيع الاستغناء عنه وإلا لمتنا جوعاً، فوجئت بابنها يسألها: ماما، حدثينى عن عذاب القبر!! إنها ثقافة الموت التى تسيطر على عقولنا، حتى عقول الأطفال التى لا بد أن تسكنها طيور البهجة والإبداع والخيال، أكّد شكوكها معرض الكتاب الذى وجدته بالفعل مليئاً بصنوف شتى من كتب عذاب القبر، نصحها البائع بشرائه لابنها كى يخاف ويرتدع ويفزع، إنها ثقافة الخوف والرعب. قررت الكاتبة أن تخلع غمامة تفسيرات وزواجر ونواهى تجار الدين وسماسرته الكثيفة، وأن تتجه مباشرة، بقلبها الصافى وعقلها الناضج وبدون حواجز، إلى جوهر القرآن ومعانيه، وكان هذا الكتاب الذى يستحق القراءة والذى لا تطلب صاحبته من القارئ أن يوافقها الرأى، بل تطلب منه أن يشاركها السؤال.